Wednesday, January 22, 2014

903 - وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا

 
أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود .
فقال : نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس .
فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد . الأول فالأول .
ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنظرون ؟
فيقولون : ننظر ربنا .
فيقول : أنا ربكم .
فيقولون : حتى ننظر إليك .
فيتجلى لهم يضحك .
فينطلق بهم ويتبعونه . ويعطي كل إنسان منهم ، منافق أو مؤمن ، نورا . ثم يتبعونه .
وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك . تأخذ من شاء الله .
ثم يطفأ نور المنافقين . ثم ينجو المؤمنون .
فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر . سبعون ألفا لا يحاسبون .
ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء . ثم كذلك .
ثم تحل الشفاعة . ويشفعون حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله . وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيره .
فيجعلون بفناء الجنة .
ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل . ويذهب حراقه .
ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ، صحيح مسلم
 
------------------------------------------------
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 191 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
 
الورود: من الوِرْدُ و هو الإِشرافُ على الماء وغيره ؛ بدخول أَو بغير دخول
و المقصود انهم سألوه هل سيدخلون النار لقوله سبحانه و تعالى فى  سورة مريم: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ( 71 )
 
فسرها النبي بأن الورود المرور والعرض، هذا هو الورود، يعني مرور المسلمين عليها إلى الجنة، ولا يضرهم ذلك، منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجواد الخيل والركاب.
 تجري بهم أعمالهم، ولا يدخلون النار، المؤمن لا يدخل النار، بل يمر مرور لا يضره ذلك، فالصراط جسر على متن جهنم يمر عليه الناس، وقد يسقط بعض الناس؛ لشدة معاصيه وكثرة معاصيه، فيعاقب بقدر معاصيه، ثم يخرجه الله من النار إذا كان موحدا مؤمنا، وأما الكفار فلا يمرون، بل يساقون إلى النار، ويحشرون إليها نعوذ بالله من ذلك، لكن بعض العصاة الذين لم يعفو الله عنهم قد يسقط بمعاصيه التي مات عليها، لم يتب كالزنا، وشرب المسكر، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأشباه ذلك من المعاصي الكبيرة، صاحبها تحت مشيئة الله كما قال الله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) (48) سورة النساء
 
وهو سبحانه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، ولكنه يغفر ما دون ذلك من المعاصي لمن يشاء -سبحانه وتعالى-. وبعض أهل المعاصي لا يغفر لهم يدخل النار، كما تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الكثيرة أن بعض العصاة يدخلون النار ويقيم فيها ما شاء الله، فقد تطول إقامته؛ لكثرة معاصيه التي لم يتب منها، وقد تقل ويشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- للعصاة عدة شفاعات يحد الله له حداً، فيخرجهم من النار فضلاً منه -سبحانه وتعالى- عليهم؛ لأنهم ماتوا على التوحيد والإسلام، لكن لهم معاصي لم يتوبوا منها، وهكذا تشفع الملائكة، يشفع المؤمنون، يشفع الأفراط، ويبقى أناس في النار من العصاة لا يخرجون بالشفاعة، فيخرجهم الله -جل وعلا- فضلاً منه -سبحانه وتعالى-، يخرجهم من النار بفضله؛ لأنهم ماتوا على التوحيد، ماتوا على الإسلام، لكن لهم معاصي ماتوا عليها لم يتوبوا فعذبوا من أجلها، ثم بعد مضي المدة التي كتبها الله عليهم وبعد تطهيرهم بالنار يخرجهم الله من النار إلى الجنة فضلاً منه -سبحانه وتعالى-، وبما ذكرنا يتضح معنى الورود وأن قوله -سبحانه وتعالى- وإن منكم إلا واردها. يعني المرور فقط لأهل الإيمان، وأن بعض العصاة قد يسقط في النار، ولهذا في الحديث: (فناج مسلم ومكدس في النار). فالمؤمن السليم ينجو وبعض العصاة كذلك، وبعض العصاة قد يخر، ويسقط
 
فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد: اى ينادى على كل امة من الأمم بما كانت تعبده من الأوثان
 
ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون : اى من تنتظرون ؟ ، فالأخرين قد نادوا عليهم بما كانوا يعبدونه و المسلمون منتظرون لربهم
 
كلاليب وحسك: مثل الخطاطيف و الأشواك ، و الحَسَكُ : نباتٌ من الفصيلة الرُّطْرِيطِيَّة له ثمرةٌ خشِنة تتعلَّق بأَصوافِ الغنَم وأَوبار الإِبل
 
ثم يطفأ نور المنافقين . ثم ينجو المؤمنون : فلا يستطيع  المنافقين العبور من على الصراط و النجاة من الخطاطيف التى تلقيهم فى النار
 
ثم تحل الشفاعة: فيمن دخل النار ليخرجوا منها
 
ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل . ويذهب حراقه: اى ان اهل الجنة يرشوا ماء - يدعى ماء الحياة - على من خرج من النار بالشفاعة و دخل الجنة ، فتنبت اجسادهم المحترقة كما تنبت البذرة فى الارض عندما يمر عليها الماء
 
ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها: ثم يسأل احد الذين دخلوا ، و فى رواية اخرى اخر من يدخل الجنة الله من فضله فيجعل له الله سبحانه و تعالى مثل الدنيا باسرها و عشرة اضعافها ملكاً له فى الجنة
 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه باليوم الآخر وما يقع فيه من الأهوال، وفي ليلة مقمرة بدرها يسطع في السماء حدثهم صلى الله عليه وسلم عن الحشر، وعن قول الله: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، وقول المسلمين: هذا مكاننا حتى نرى ربنا. حينئذ سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: إنكم ستعرضون على ربكم، فترونه كما ترون هذا القمر، هل يضر بعضكم بعضا إذا نظرتم إلى القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، يا رسول الله. قال: وهل يزاحم بعضكم بعضا ويؤذيه حين ترون الشمس في وسط السماء ليس دونها سحاب! قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه بسهولة ويسر ووضوح كما ترون القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب.
 
ثم أخذ يحدثهم عن هذه الرؤية وعن ظروفها ووقتها، فقال: يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، وفي مكان واحد، في أرض واسعة مستوية، لا يخفى منهم أحد، لو دعاهم داع لسمعوه، ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم، يقومون أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم ربهم، والشمس على رءوسهم، حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر، غير أنه يخفف على المؤمن، فيكون ذلك اليوم أقصر عليه من ساعة من نهار، حتى إذا أذن جل شأنه بالانصراف من هذا الموقف، تطايرت الصحف وتم العرض والميزان، ونادى مناد: من كان يعبد شيئا فليتبعه، أيها الناس: أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم وأحسن إليكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان قد تولى؟ أيها الناس لتنطلق كل أمة مع ما كانت تعبد، ويتمثل لهم الصنم والشيطان والصليب والشمس والقمر، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت والأصنام الطواغيت والأصنام، ويتبع من كان يعبد الصليب صليبهم، فيساقون هم ومعبوداتهم إلى النار، فلا يبقى في الموقف أحد كان يعبد الأصنام والأنصاب، والأوثان والشمس والقمر والنار والإنسان والحيوان والشيطان والملائكة إلا تساقط في النار، ثم يدعى المنحرفون من اليهود، فيقال لهم: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال لهم: كذبتم في ادعائكم أن لله ولدا، سبحانه لم يتخذ من صاحبة ولا ولد، وضللتم في عبادتكم هذه، ولا نجاة لكم اليوم، فيقولون: يا ربنا عطشنا، فاسقنا، فتبدو جهنم أمامهم كأنها ماء، فيقال لهم: هيا ألا تردون! فيحشرون إلى النار، ثم يدعى المبدلون والمحرفون من النصارى، فيقال لهم: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم في ادعائكم أن المسيح ابن الله. ما اتخذ الله من ولد، ولم تكن له صاحبة، فماذا بعد الكفر والضلال؟ فأنى تصرفون؟ فيقولون: يا ربنا عطشنا، فاسقنا، فتبدو لهم جهنم كأنها ماء، فيشار إليها، ويقال لهم: هيا، ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار، فيجدونها يحطم بعضها بعضا، حتى إذا لم يبق من الخلائق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم أمر الله، يقول لهم: ماذا تنتظرون؟ ماذا يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا حفاظا على ديننا منهم، ونحن أحوج ما نكون إليهم، هجرنا الأهل والأوطان فرارا بديننا، وأخرجنا من ديارنا وأموالنا، ونحن أحوج ما نكون إليهم، فكيف نتابعهم اليوم، لقد سمعنا: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فنحن ننتظر معبودنا، ننتظر ربنا، فيقال لهم: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله بصورة لم يعهدوها، تقول لهم: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ربنا ليس كمثله شيء، فيقال لهم: هل بينكم وبينه علامة! فيقولون: نعم. فيكشف عن الساق، ويتجلى لهم رب العالمين، فيسجد له كل مؤمن، يسجد له كل من كان يعبده بإخلاص، أما المنافقون الذين كانوا يسجدون اتقاء ورياء فإن أصلابهم تتجمد كأصلاب البقر، كلما حاول أحدهم أن يسجد تقليدا للمؤمنين سقط على قفاه ثم يقال للمؤمنين: ارفعوا رءوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه، ثم يوجهون إلى الصراط، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. فيقول لهم المنافقون: أنظرونا وتمهلوا نسير في ركابكم ونقتبس من نوركم، فيقولون لهم تبكيتا وخذلانا: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، فيرجعون إلى المكان الذي وزع فيه النور، فلا يجدون شيئا، فيحاولون اللحاق بالمؤمنين، فيضرب بينهم بسور له باب فيقذفون في النار.
 
وينصب الصراط على شاطئ جهنم، جسر ممدود، أدق من الشعر وأحد من السيف، على جانبيه كلاليب وخطاطيف ذات أسهم من كل جانب، تشبه شوكة السعدان، التي تلصق بأصواف الغنم، ويقف الأنبياء وقلوبهم وجلة، يتضرعون إلى الله، ويقولون: يا رب سلم. يا رب سلم. وتقف الملائكة ممسكة بالكلاليب المأمورة، وهي تقول: يا رب سلم، يا رب سلم وتقف الأمة الإسلامية، ولسانها يلهج بالدعاء: يا رب سلم. يا رب سلم. ومن حولها سائر الرسل وأتباعهم في انتظار أمر الله.
 
ثم ينادي المنادي: أين محمد وأمته؟ فيقوم صلى الله عليه وسلم وتتبعه أمته، برها وفاجرها، فتفرج الأمم لهم عن الطريق. فيمرون غرا محجلين من أثر الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون من يمين وشمال، وتتخطفهم الكلاليب، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يجتاز الصراط، وأمته أول الأمم، ويتسع الصراط لبعض المؤمنين، حتى يكون مثل الوادي، وإن بعضهم يمر عليه كطرف العين، وبعضهم كالبرق، وبعضهم كالسحاب، وبعضهم كانقضاض الكوكب، وبعضهم كالريح، وبعضهم كجياد الخيل، وبعضهم كالطير، وبعضهم كجياد الإبل، وبعضهم كأسرع البهائم، وبعضهم يسعى سعيا، وبعضهم يمشي مشيا تجري بهم أعمالهم، حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يتكفأ به الصراط، يتلبط على بطنه، يجر نفسه بيد، ويتعلق بيد، يجر نفسه برجل ويتعلق برجل، وتضرب جوانبه النار، يقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: أبطأ بك عملك، ويظل يحبو، حتى ينجو، فيلتفت إلى النار، ويقول: تبارك الذي نجاني منك.
 
حتى إذا خلص المؤمنون من النار وقعت المقاصة بينهم على قنطرة بين الجنة والنار، حتى إذا انتهوا إلى الجنة تفقدوا إخوانهم فوجدوا العصاة منهم في النار، فرقت لهم أفئدتهم، واشتدت عليهم حسراتهم، فيجأرون إلى الله بالدعاء، ويناشدونه بكل تذلل أن يعفو عن إخوانهم وأن يخرجهم من النار، يقولون: يا ربنا، إخواننا، كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا ويحجون معنا، يا ربنا، آباؤنا، وأجدادنا، أعمامنا، أخوالنا، أبناؤنا، أزواجنا اغفر لهم، شفعنا فيهم، فيقول لهم: اذهبوا فأخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ويأمر ملائكته بإخراجهم، ثم يعودون فيستشفعون في غيرهم فيشفعون، وهكذا حتى يخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من خير، فيقول الله تعالى: شفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا أبدا، قد صاروا فحما، فيلقيهم في نهر في مقدمة الجنة، يسمى نهر الحياة، فيخرجون منه كالنبتة الصغيرة في نضارتها وحسنها، ويقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من مائكم، فيرشون عليهم من ماء الجنة، فيزدادون نضارة وبهاء ثم يؤذون لهم بدخول الجنة.
 
يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني أعلم حال آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، هو رجل يبقى مقبلا بوجهه على النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، فقد آذاني ريحها، وأحرقني حرها، يا رب اقبلني واعف عني، يا رب. أقر بذنبي وأعترف بتقصيري، وأرجو واسع رحمتك، ويدعو الله ما شاء أن يدعوه، فيقول الله لملائكته: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت كذا وكذا يوم كذا، وعملت كذا وكذا يوم كذا. فيقول: نعم يا رب، وهو مشفق من كبار ذنوبه، خائف أن تعرض عليه ويؤخذ بها، فيقول: يا رب، قد عملت أشياء لا أراها ههنا؟ فيضحك رب العزة ويرضى عن عبده العاصي، ويقول له: لعلك إن صرفت وجهك عن النار أن تسألني غير ذلك؟ فيقول: لا، لا أسألك غيره، ويقسم ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيصرف وجهه عن النار، فيقول لها: تبارك الذي نجاني منك "لقد أعطاني الله من الفضل والرحمة ما لم يعط أحدا من الأولين، والآخرين، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة ذات ظل ظليل، فيقول: يا رب. أدنني من هذه الشجرة، لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فقد آذاني الحر والعطش، فيقول له ربه: يا ابن آدم. لعلي إن أعطيتك ما تطلب أن تسألني غيره؟ فيقول: لا يا رب لا أسألك غيره، ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، وربه يقبل عذره، لأنه يرى شيئا لا يستطيع الصبر عليه، فيدنيه من الشجرة فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة أحسن من الأولى، فيقول مقالته السابقة وربه يعذره فيدنيه منها، ثم ترفع له شجرة ثالثة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول مقالته السابقة، فيقول له ربه: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، ألم تعطني عهودك ومواثيقك ألا تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره يا رب. ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيدنيه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، أصواتا كالمزامير، فيتسمع ويتطلع فتنفتح أمامه أبواب الجنة فيرى ما فيها من نعيم وسرور وحبور، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول له: يا ابن أدم: ما يقطع مسألتك مني؟ أين عهودك ومواثيقك ألا تسأل؟ فيقول: كرمك أوسع من مسألتي، وفضلك لا ينقصه عطائي، فيقول له: اذهب فادخل الجنة، فيدخلها، فيخيل إليه أنها ملأى، وأن الناس قد أخذوا منازلهم فيها، فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى. فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه اطلب تعط، فيتمنى قصورا وحدائق، وطعاما وشرابا وفرشا وأرائك، فإذا ما طلب ما يشتهي ذكره ربه بأشياء لم يذكرها، يقول له: اطلب كذا وكذا وكذا، مما لا يخطر على قلب بشر، حتى إذا ما انقضت به الأماني قال الله له: ذلك لك وعشرة أمثاله معه، فيقول: يا رب، لا أستحق شيئا من ذلك، لا تكاد عيني تصدق ما ترى، ولا تكاد أذني تصدق ما أسمع، أكاد أغيب عن صوابي، فيضحك رب العزة ويقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر، فيدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتحتضنانه وتقبلانه وتقولان له: الحمد لله الذي أحياك لنا، وأحيانا لك، فيعيش في سعادة دائمة، وسرور خالد، وهو يقول في نفسه: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت.
 
ذلك أدنى أهل الجنة منزلة يوم القيامة، أما أعلاهم منزلة فأولئك الذين اختارهم ربهم واصطفاهم، لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة: 17] فاللهم اجعلنا من أهل الجنة، الناجين من النار، ويسر لنا الموقف العظيم، واهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
 
آمين، آمين. آمين. يا رب العالمين
 
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 

 

No comments :

Post a Comment