Tuesday, January 14, 2014

850 - غزوة او صلح الحديبية

 
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، حتى كانوا ببعض الطريق ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد بن الوليد بالغميم ، في خيل لقريش طليعة ، فخذوا ذات اليمين .
 
فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش ، فانطلق يركض نذيرا لقريش ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ، بركت به راحلته ، فقال الناس : حل حل ، فألحت ،
فقالوا خلأت القصواء ، خلأت القصواء ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل .
 
ثم قال : والذي نفسي بيده ، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .
 ثم زجرها فوثبت ،
قال : فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ، يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ،
فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة ، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة ،
فقال : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ، ومعهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين ، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ، ويخلوا بيني وبين الناس ،
فإن أظهر : فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلا فقد جموا ،
وإن هم أبوا ، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، ولينقذن الله أمره .
 
فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، قال : فانطلق حتى أتى قريشا ، قال : إنا قد جئناكم من هذا الرجل ، وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ،
فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء ، وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقام عروة بن مسعود فقال : أي قوم ، ألستم بالوالد ؟ قالوا : بلى ، قال : أو لست بالولد ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل تتهمونني ؟ قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد ، اقبلوها ودعوني آتيه ، قالوا : ائته ، فأتاه ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل ،
فقال عروة عند ذلك : أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ، وإن تكن الأخرى ، فإني والله لأرى وجوها ، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ،
فقال له أبو بكر : امصص ببظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ فقال : من ذا ؟ قالوا : أبو بكر ، قال : أما والذي نفسي بيده ، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، قال : وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلما تكلم أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال له : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه ، فقال : من هذا ؟ قالوا : المغيرة بن شعبة ، فقال : أي غدر ، ألست أسعى في غدرتك ، وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء .
 
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينه ، قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ،
فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ،
والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فأقبلوها .
 
فقال رجل من بني كنانة : دعوني آتيه ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها له .
 فبعثت له ، واستقبله الناس يلبون ،
فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت ،
فقام رجل منهم ، يقال له مكرز ابن حفص ، فقال : دعوني آتيه ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف عليهم ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا مكرز ، وهو رجل فاجر .
 فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو .
 قال معمر : فأخبرني أيوب ، عن عكرمة : أنه لما جاء سهيل بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد سهل لكم من أمركم .
 قال معمر : قال الزهري في حديثه :
فجاء سهيل بن عمرو فقال : هات اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
 بسم الله الرحمن الرحيم: .
 قال سهيل : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
 اكتب باسمك اللهم: .
 ثم قال :
 هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله: .
 فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
 والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب : محمد بن عبد الله: .
 قال الزهري : وذلك لقوله :
 لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها: .
 
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
 على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به: .
 
فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ، فكتب ،
فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا .
 
قال المسلمون : سبحان الله ، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ، فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ،
فقال سهيل : هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد .
 
قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي .
 
قال : ما أنا بمجيزه لك ، قال : بلى فافعل .
 قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بل قد أجزناه لك ،
ال أبو جندل : أي معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ، ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله .
 
قال : فقال عمر بن الخطاب : فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقا ؟ قال : بلى
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى .
 
قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟
قال : إني رسول الله ، ولست أعصيه ، وهو ناصري .
 
قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟
قال : بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام .
 قال : قلت : لا ،
قال : فإنك آتيه ومطوف به .
 
قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر ، أليس هذا نبي الله حقا ، قال بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ،
قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟
قال : أيها الرجل ، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق ؟
قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ، قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا ،
قال : فإنك آتيه ومطوف به .
 
قال الزهري : قال عمر : فعملت لذلك أعمالا ، قال : فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا .
 
قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ،
فقالت أم سلمة : يانبي الله ، أتحب ذلك ، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة ، حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك .
 
فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ،
فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل غما ،
ثم جاءه نسوة مؤمنات ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن - حتى بلغ - بعصم الكوافر } .
 
فطلق عمر يومئذ امرأتين ، كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ، والأخرى صفوان بن أمية ،
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير ، رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ،
فقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم ،
فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا ، فاستله الآخر ،
فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ، ثم جربت ،
فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ،
وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعرا .
 
فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قال : قتل والله صاحبي وإني لمقتول ،
فجاء أبو بصير : فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك ،
قد رددتني إليهم ، ثم نجاني الله منهم ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل أمه ، مسعر حرب ، لو كان له أحد .
 
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، قال : وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل ، فلحق بأبي بصير ،
فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ،
فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ،
فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم : لما أرسل : فمن آتاه فهو آمن ،
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فأنزل الله تعالى : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم - حتى بلغ - الحمية حمية الجاهلية } .
 
وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين البيت ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2731 خلاصة الدرجة: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
الْحُدَيْبِيَة : هِيَ بِئْر سُمِّيَ الْمَكَان بِهَا , وَقِيلَ شَجَرَة حَدْبَاء صُغِّرَتْ وَسُمِّيَ الْمَكَان بِهَا . قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ . الْحُدَيْبِيَة قَرْيَة قَرِيبَة مِنْ مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحَرَم
 
 حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق: و فى رواية اخرى:
وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال : إن قريشا جمعوا جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش , وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك .
 فقال : أشيروا أيها الناس علي , أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت , فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين , وإلا تركناهم محروبين .
 قال أبو بكر : يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد , توجه له , فمن صدنا عنه قاتلناه . قال : امضوا على اسم الله "
 والمراد أنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه هل يخالف الذين نصروا قريشا إلى مواضعهم فيسبي أهلهم , فإن جاءوا إلى نصرهم اشتغلوا بهم وانفرد هو وأصحابه بقريش , وذلك المراد بقوله : " تكن عنقا قطعها الله " فأشار عليه أبو بكر الصديق بترك القتال والاستمرار على ما خرج له من العمرة حتى يكون بدء القتال منهم , فرجع إلى رأيه
 
 قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد بن الوليد بِالْغَمِيمِ في خيل لقريش طليعة:  يظهر أن المراد كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة , وسياق الحديث ظاهر في أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام وهو الذي بين مكة والمدينة ,
وأما الغميم هذا فقال ابن حبيب : هو قريب من مكان بين رابغ والجحفة , وقد وقع في شعر جرير والشماخ بصيغة التصغير والله أعلم .
 وبين ابن سعد أن خالدا كان في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل , والطليعة مقدمة الجيش
 
 فخذوا ذات اليمين: ‏‏أي الطريق التي فيها خالد وأصحابه
 
 حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْش: ‏القترة بفتح القاف والمثناة الغبار الأسود
 
إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ: وثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء هي طريق في الجبل تشرف على الحديبية .
 وزعم الداودي الشارح أنها الثنية التي أسفل مكة , وهو وهم
 
 بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَته , فَقَالَ النَّاس : حَلْ حَلْ: بفتح المهملة وسكون اللام .
 كلمة تقال للناقة إذا تركت السير , وقال الخطابي : إن قلت حل واحدة فالسكون , وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية , وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بخ , يقال حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه
 
فَأَلَحَّتْ: ‏بتشديد المهملة أي تمادت على عدم القيام وهو من الإلحاح
 
خَلَأَتْ الْقَصْوَاء: ‏الخلاء بالمعجمة والمد للإبل كالحران للخيل ، اى لم تبْرح مكانَها , وقال ابن قتيبة : لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة .
 وقال ابن فارس : لا يقال للجمل خلأ لكن ألح .
 والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد .
 اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقيل كان طرف أذنها مقطوعا , والقصو قطع طرف الأذن يقال : بعير أقصى وناقة قصوى , وكان القياس أن يكون بالقصر , وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر , وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه
 
 وما ذاك لها بخلق: ‏ ‏أي بعادة
قال ابن بطال وغيره : في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم , وجواز السفر وحده للحاجة وجواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة , وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره , فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها , ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله , لأن خلاء القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحا ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم في ظنهم , قال : وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك , لأنهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن , ولم يعاتبهم عليه
 
حَبَسَهَا حَابِس الْفِيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها
 ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة , لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم , ويستخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون , وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان , فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله: ( وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ ) الْآيَة
وقع للمهلب استبعاد جواز هذه الكلمة وهي " حابس الفيل " على الله تعالى فقال : المراد حبسها أمر الله عز وجل , وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله فيقال حبسها الله حابس الفيل وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته سبحانه وتعالى حابس الفيل ونحوه , كذا أجاب ابن المنير , وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية
 
والذي نفسي بيده: ‏‏فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول , وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا قاله ابن القيم في الهدي
 
 لَا يَسْأَلُونَنِي خُطَّة: ‏بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْ خَصْلَة
 
يعظمون فيها حرمات الله: ‏أي من ترك القتال في الحرم , ووقع في رواية ابن إسحاق " يسألونني فيها صلة الرحم " وهي من جملة حرمات الله , وقيل المراد بالحرمات حرمة الحرم والشهر والإحرام , قلت : وفي الثالث نظر لأنهم لو عظموا الإحرام ما صدوه
 
إلا أعطيتهم إياها: ‏أي أجبتهم إليها
 
 ثم زجرها: ‏‏أي الناقة
 
فوثبت: ‏‏أي قامت
 
على ثمد: ‏ ‏بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل , وقوله : " قليل الماء " تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول إن الثمد الماء الكثير , وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف
 
 يَتَبَرَّضهُ النَّاس: هو الأخذ قليلا قليلا , والبرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء , وقال صاحب العين : هو جمع الماء بالكفين
 
فَلَمْ يُلْبِثهُ: من الإلباث , وقال ابن التين : بفتح اللام وكسر الموحدة الثقيلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم
 
فانتزع سهما من كنانته: ‏ ‏أي أخرج سهما من جعبته
 
يَجِيش:  أَيْ يَفُور
 
 صدروا عنه: ‏‏أي رجعوا رواء من شرب الماء بعد وردهم و ذهابهم الى البئر
 
ذْ جَاءَ بُدَيْل: أَيْ اِبْن وَرْقَاء بِالْقَافِ وَالْمَدّ صَحَابِيّ مَشْهُور
 
وَكَانُوا عَيْبَة نُصْح: الْعَيْبَة ما توضع فيه الثياب لحفظها , أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره , ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب
 
 مِنْ أَهْل تِهَامَة: بيان الجنس , لأن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة هي مكة وما حولها , وأصلها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح
وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم , ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهارا على غيرهم , ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة جمعهم وإنكاء بعضهم ببعض , ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الإطلاق
 
فَقَالَ : إِنِّي تَرَكْت كَعْب بْن لُؤَيّ وَعَامِر بْن لُؤَيّ: ‏إِنَّمَا اِقْتَصَرَ عَلَى ذِكْر هَذَيْنِ لِكَوْنِ قُرَيْش الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّة أَجْمَع تَرْجِع أَنْسَابهمْ إِلَيْهِمَا
 
 نَزَلُوا أَعْدَاد مِيَاه الْحُدَيْبِيَة: ‏الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له , وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة , وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلهذا عطش المسلمون حيث نزلوا على الثمد المذكور
 
وَمَعَهُمْ الْعُوذ الْمَطَافِيل: جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن , والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها , يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه , أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال , والمراد أنهم خرجوا منهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار , ويحتمل إرادة المعنى الأعم
 
نَهِكَتْهُمْ: اي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم , إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم
 
مَادَدْتهمْ: أي جعلت بيني وبينهم مدة يترك الحرب بيننا وبينهم فيها
 
 وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْن النَّاس: ‏أَيْ مِنْ كُفَّار الْعَرَب وَغَيْرهمْ
 
 فَإِنْ أَظْهَر فَإِنْ شَاءُوا: ‏هو شرط بعد الشرط والتقدير فإن ظهر غيرهم علي كفاهم المئونة , وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جمعوا , أي استراحوا , وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا
 
حَتَّى تَنْفَرِد سَالِفَتِي: ‏السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق , وكنى بذلك عن القتل لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه .
 وقال الداودي : المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري .
 ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم .
 وقال ابن المنير : لعله صلى الله عليه وسلم نبه بالأدنى على الأعلى , أي إن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أقاتل عن دينه لو انفردت , فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى
 
وَلَيُنْفِذَنَّ: أي ليمضين ‏
 
 الله أمره: ‏‏في نصر دينه .
 وحسن الإتيان بهذا الجزم - بعد ذلك التردد - للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض .
 وفي هذا الفصل الندب إلى صلة الرحم , والإبقاء على من كان من أهلها , وبذل النصيحة للقرابة , وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة والثبات في تنفيذ حكم الله وتبليغ أمره
 
فقال سفهاؤهم: ‏‏سمى الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص
 
فقام عروة: ‏
‏في رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم في " الإكليل " والبيهقي في " الدلائل " وذكر ذلك ابن إسحاق أيضا من وجه آخر " قالوا لما نزل صلى الله عليه وسلم بالحديبية أحب أن يبعث رجلا من أصحابه إلى قريش يعلمهم بأنه إنما قدم معتمرا , فدعا عمر فاعتذر بأنه لا عشيرة له بمكة , فدعا عثمان فأرسله بذلك .
 وأمره أن يعلم من بمكة من المؤمنين بأن الفرج قريب , فأعلمهم عثمان بذلك , فحمله أبان بن سعيد بن العاص على فرسه - فذكر القصة - فقال المسلمون : هنيئا لعثمان , خلص إلى البيت فطاف به دوننا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ظني به أن لا يطوف حتى نطوف معا . فكان كذلك
 
 أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ وَأَلَسْتُ بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا : بَلَى: أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف , فأراد بقوله : " ألستم بالوالد " أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم .
 وجرى بعض الشراح على ما وقع في رواية أبي ذر فقال : أراد بقوله : " ألستم بالولد " أي أنتم عندي في الشفقة والنصح بمنزلة الولد , قال : ولعله كان يخاطب بذلك قوما هو أسن منهم
 
 استنفرت أهل عكاظ: أي دعوتهم إلى نصركم
 
فَلَمَّا بَلَّحُوا: أي امتنعوا , والتبلح التمنع من الإجابة , وبلح الغريم إذا امتنع من أداء ما عليه
 
خُطَّة رُشْد: أي خصلة خير وصلاح وإنصاف , وبين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين
 
 ودعوني آته:  أي أجيء إليه
 
اِجْتَاحَ:  أي أهلك أصله بالكلية , وحذف الجزاء من قوله : " وإن تكن الأخرى " تأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم , والمعنى وإن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا
 
أَشْوَابًا:  الأخلاط من أنواع شتى , والأوباش الأخلاط من السفلة , فالأوباش أخص من الأشواب
 
خَلِيقًا: حَقِيقًا وَزْنًا وَمَعْنًى
 
وَيَدَعُوك: أَيْ يَتْرُكُوك
وَكَأَنَّ بِهِمْ لَوْ قَدْ لَقِيت قُرَيْشًا قَدْ أَسْلَمُوك فَتُؤْخَذ أَسِيرًا فَأَيّ شَيْء أَشَدّ عَلَيْك مِنْ هَذَا " وَفِيهِ أَنَّ الْعَادَة جَرَتْ أَنَّ الْجُيُوش الْمُجَمَّعَة لَا يُؤْمَن عَلَيْهَا الْفِرَار بِخِلَافِ مَنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَة وَاحِدَة فَإِنَّهُمْ يَأْنَفُونَ الْفِرَار فِي الْعَادَة . وَمَا دَرَى عُرْوَة أَنَّ مَوَدَّة الْإِسْلَام أَعْظَم مِنْ مَوَدَّة الْقَرَابَة , وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ مُبَالَغَة الْمُسْلِمِينَ فِي تَعْظِيم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 
اِمْصَصْ بِبَظْرِ اللَّاتِي: وَهِيَ - أَيْ اللَّاتِي - طَاغِيَته الَّتِي يَعْبُد " أَيْ طَاغِيَة عُرْوَة
والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة , واللاتي اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها , وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه , وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار , وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك .
 وقال ابن المنير : في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم وتعريض بإلزامهم من قولهم إن اللاتي بنت الله , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث
 
 لولا يد: ‏‏أي نعمة
 
 لم أجزك بها: ‏‏أي لم أكافئك بها , زاد ابن إسحاق " ولكن هذه بها " أي جازاه بعدم إجابته عن شتمه بيده التي كان أحسن إليه بها
 
قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف: ‏‏فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو , ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر
 
والمغيرة بن شعبة قائم: ‏‏في مغازي عروة بن الزبير رواية أبي الأسود عنه " أن المغيرة لما رأى عروة بن مسعود مقبلا لبس لأمته وجعل على رأسه المغفر ليستخفي من عروة عمه "
 
 بنعل السيف: ‏‏هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها
 
أَخِّرْ: ‏فِعْل أَمْر مِنْ التَّأْخِير , زاد ابن إسحاق في روايته " قبل أن لا تصل إليك " وزاد عروة بن الزبير " فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه " وفي رواية ابن إسحاق " فيقول عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك " وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير , لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا , والمغيرة يمنعه إحلالا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما
 
 أَيْ غُدَر: بِوَزْنِ عُمَر مَعْدُول عَنْ غَادِر مُبَالَغَة فِي وَصْفه بِالْغَدْرِ
 
 أَلَسْت أَسْعَى فِي غَدْرَتك: قال ابن هشام في السيرة :
أشار عروة بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلامه , وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم , فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا
 
 وأما المال فلست منه في شيء: ‏‏أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرا .
 ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا , وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة , ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم , ويستفاد من القصة أن الحربي إذا أتلف مال الحربي لم يكن عليه ضمان , وهذا أحد الوجهين للشافعية
 
وَمَا يُحِدُّونَ: أَيْ يُدِيمُونَ
 وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة , ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم , وكأنهم قالوا بلسان الحال : من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه ؟ بل هم أشد اغتباطا به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم , فيستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل طريق سائغ
 
فابعثوها له: ‏‏أي أثيروها دفعة واحدة , وزاد ابن إسحاق " فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكن في مغازي عروة عن الحاكم " فصاح الحليس فقال : هلكت قريش ورب الكعبة , إن القوم إنما أتوا عمارا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجل يا أخا بني كنانة فأعلمهم بذلك " فيحتمل أن يكون خاطبه على بعد
 
فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْت: ‏زاد ابن إسحاق " وغضب وقال : يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم , أيصد عن بيت الله من جاء معظما له ؟ فقالوا : كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى " وفي هذه القصة جواز المخادعة في الحرب وإظهار إرادة الشيء والمقصود غيره , وفيه أن كثيرا من المشركين كانوا يعظمون حرمات الإحرام والحرم , وينكرون على من يصد عن ذلك تمسكا منهم ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام
 
وهو رجل فاجر: ‏‏في رواية ابن إسحاق " غادر " وهو أرجح , فإني مازلت متعجبا من وصفه بالفجور مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر , بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سيأتي من كلامه في قصة أبي جندل , إلى أن رأيت في مغازي الواقدي في غزوة بدر أن عتبة بن ربيعة قال لقريش " كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا ؟ قال : وذلك أن حفص بن الأخيف يعني والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رجل من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بدم له كان في قريش , فتكلمت قريش في ذلك , ثم اصطلحوا , فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد سيد بني بكر غرة فقتله , فنفرت من ذلك كنانة , فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك , وكان مكرز معروفا بالغدر " وذكر الواقدي أيضا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس وانفلت منهم مكرز , فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك
 
هذا ما قاضى: ‏‏بوزن فاعل من قضيت الشيء أي فصلت الحكم فيه
 
 لَا تَتَحَدَّث الْعَرَب أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَة: أَيْ قَهْرًا
 
فَقَالَ سُهَيْل : وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُل - وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينك - إِلَّا رَدَدْته إِلَيْنَا: وَهَذِهِ الرِّوَايَة تَعُمّ الرِّجَال وَالنِّسَاء ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْم فى النساء
ولمسلم من حديث أنس بن مالك " أن قريشا صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أنه من جاء منكم لم نرده عليكم , ومن جاءكم منا رددتموه إلينا , فقالوا : يا رسول الله أنكتب هذا ؟ قال : نعم .
 إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله , ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجا ومخرجا " وزاد أبو الأسود عن عروة هنا " ولابن عائذ من حديث ابن عباس نحوه " .
 فلما لان بعضهم لبعض في الصلح على ذلك إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر , فتصايح الفريقان , وارتهن كل من الفريقين من عندهم , فارتهن المشركون عثمان ومن أتاهم من المسلمين , وارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن معه , ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا , وبلغ ذلك المشركين فأرعبهم الله , فأرسلوا من كان مرتهنا ودعوا إلى الموادعة , وأنزل الله تعالى :
 وهو الذي كف أيديهم عنكم: الآية .
 وسيأتي في غزوة الحديبية بيان من أخرج هذه القصة موصولة وكيفية البيعة عند الشجرة والاختلاف في عدد من بايع وفي سبب البيعة إن شاء الله تعالى
 
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَل: كان اسمه العاصي فتركه لما أسلم ، و هو ابن سهيل بن عمرو
و كان حبس بمكة ومنع من الهجرة وعذب بسبب الإسلام وكان أبوه حبسه فأفلت
 
يَرْسُف: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد
 
 إنا لم نقض الكتاب: ‏أي لم نفرغ من كتابته
 
 فَأَجِزْهُ لِي: صيغة فعل الأمر من الإجازة أي أمض لي فعلي فيه فلا أرده إليك , أو أستثنيه من القضية ،  فلما أصر على الامتناع تركه له
 
إني رسول الله ولست أعصيه: ‏‏ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل من ذلك شيئا إلا بالوحي
 
 أَوَلَيْسَ كُنْت حَدَّثْتنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْت: وعند الواقدي وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت , فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم " ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى , وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر إرادة التخصيص والتقييد , وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته
 
فأتيت أبا بكر: ‏ ‏لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر الصديق , وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده , وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم سواء دلالة على أنه كان أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بأمور الدين وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى .
 وقد وقع التصريح في هذا الحديث بأن المسلمين استنكروا الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك , وظهر من هذا الفصل أن الصديق لم يكن في ذلك موافقا لهم , بل كان قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء
 
فَاسْتَمْسَكَ بِغَرْزِهِ: وهو - أي الغرز - للإبل بمنزلة الركب للفرس , والمراد به التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركب الفارس فلا يفارقه
 
 قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عُمَر : فَعَمِلْت لِذَلِكَ أَعْمَالًا : المراد به الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء
 
 فوالله ما قام منهم رجل: ‏ ‏قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب ,
أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور ,
 أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم , وسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ,
ويحتمل أن يكونوا ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم من ظهور قوتهما واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة ,
أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور ,
 ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم كما سيأتي من كلام أم سلمة ,
وليس فيه حجة لمن أثبت أن الأمر للفور , ولا لمن نفاه , ولا لمن قال إن الأمر للوجوب لا للندب , لما يطرق القصة من الاحتمال
 
 قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا نَبِيّ اللَّه أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اُخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّم أَحَدًا مِنْهُمْ:  ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه , فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال , وعرف النبي صلى الله عليه وسلم صواب ما أشارت به ففعله فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر .
 وفيه فضل المشورة , وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد , وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول , وجواز مشاورة المرأة الفاضلة , وفضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين : لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة
 
وَدَعَا حَالِقه فَحَلَقَهُ: ‏قَالَ اِبْن إِسْحَاق : " بَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي حَلَقَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم هُوَ خِرَاش - بِمُعْجَمَتَيْنِ - اِبْن أُمَيَّة بْن الْفَضْل الْخُزَاعِيّ قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي نُجَيْح عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : حَلَقَ رِجَال يَوْمئِذٍ وَقَصَّرَ آخَرُونَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَم اللَّه الْمُحَلِّقِينَ , قَالُوا : وَالْمُقَصِّرِينَ - الْحَدِيث , وَفِي آخِره - قَالُوا يَا رَسُول اللَّه لِمَ ظَاهَرْت لِلْمُحَلِّقِينَ دُون الْمُقَصِّرِينَ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا "
 
 ثم جاءه نسوة مؤمنات: ظاهره أنهن جئن إليه وهو بالحديبية , وليس كذلك وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة , وقد تقدم في أول الشروط من رواية عقيل عن الزهري ما يشهد لذلك حيث قال : " ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة ولو كان مسلما , وجاء المؤمنات مهاجرات , وكانت أم كلثوم بنت عقبة ممن خرج , ويقال إنها كانت تحت عمرو بن العاص , وسمى من المؤمنات المذكورات أميمة بنت بشر وكانت تحت حسان - ويقال ابن دحداحة - قبل أن يسلم فتزوجها سهل بن حنيف فولدت له ابنه عبد الله بن سهل , ذكر ذلك ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي حبيب مرسلا , والطبري من طريق ابن إسحاق عن الزهري .
 وسبيعة بنت الحارث الأسلمية وكانت تحت مسافر المخزومي ويقال صيفي بن الراهب , والأول أولى فقد ذكر ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن امرأة صيفي اسمها سعيدة فتزوجها عمر .
 وأم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد فارتدت كما سيأتي بيانه في آخر الشروط .
 وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان , وعبدة بنت عبد العزى بن نضلة كانت تحت عمرو بن عبد ود .
 قلت .
لكن عمرو قتل بالخندق وكأنها فرت بعد قتله , وكان من سنة الجاهلية أن من مات زوجها كان أهله أحق بها
 
فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ: ‏فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَصِير إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم صَالَحُونَا عَلَى مَا عَلِمْت , وَإِنَّا لَا نَغْدِر , فَالْحَقْ بِقَوْمِك
واستدل بعض الشافعية بهذه القصة على جواز دفع المطلوب لمن ليس من عشيرته إذا كان لا يخشى عليه منه , لكونه صلى الله عليه وسلم دفع أبا بصير للعامري ورفيقه ولم يكونا من عشيرته ولم يكونا من رهطه , لكنه أمن عليه منهما لعلمه بأنه كان أقوى منهما , ولهذا آل الأمر إلى أنه قتل أحدهما وأراد قتل الآخر .
 وفيما استدل به من ذلك نظر , لأن العامري ورفيقه إنما كانا رسولين , ولو أن فيهما ريبة لما أرسلهما من هو من عشيرته
 
 فضربه حتى برد: أي خمدت حواسه , وهي كناية عن الموت ; لأن الميت تسكن حركته , وأصل البرد السكون
 
وَإِنِّي لَمَقْتُول: ‏أَيْ إِنْ لَمْ تَرُدُّوهُ عَنِّي
 
قد والله أوفى الله ذمتك: ‏‏أي فليس عليك منهم عقاب فيما صنعت أنا
وفيه أن للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقود ولا دية , والله أعلم
 
وَيْلُ اُمِّهِ: وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم , لأن الويل الهلاك
 
مِسْعَر حَرْب: وأصله من مسعر حرب , أي يسعرها .
 قال الخطابي : كأنه يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها
 
 لو كان له أحد: ‏‏أي ينصره ويعاضده ويناصره
 
حَتَّى أَتَى سِيف الْبَحْر: أَيْ سَاحِله
 
 مَا يَسْمَعُونَ بِعِير: ‏أَيْ بِخَبَرِ عِير بِالْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَة أَيْ قَافِلَة
 
 إلا اعترضوا لها: ‏‏أي وقفوا في طريقها بالعرض , وهي كناية عن منعهم لها من السير
 
فأرسلت قريش: ‏
‏في رواية أبي الأسود عن عروة " فأرسلوا أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي جندل ومن معه وقالوا : ومن خرج منا إليك فهو لك حلال غير حرج
 
 فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم:
‏في رواية أبي الأسود المذكورة " فبعث إليهم فقدموا عليه " وفي رواية موسى بن عقبة عن الزهري " فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير , فقدم كتابه وأبو بصير يموت , فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده , فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا .
 قال وقدم أبو جندل ومن معه إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن خرج إلى الشام مجاهدا فاستشهد في خلافة عمر , قال فعلم الذين كانوا أشاروا بأن لا يسلم أبا جندل إلى أبيه أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما كرهوا " وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة , ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش , لأنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة , لكنه لما خشي أن المشرك يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله , ودافع عن دينه بذلك , ولم ينكر النبي قوله ذلك .
 وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية
 
وفيه أنه كان لا يرد على المشركين من جاء منهم إلا بطلب منهم , لأنهم لما طلبوا أبا بصير أول مرة أسلمه لهم , ولما حضر إليه ثانيا لم يرسله لهم , بل لو أرسلوا إليه وهو عنده لأرسله , فلما خشي أبو بصير من ذلك نجا بنفسه .
 وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقيا في بلد الإمام , ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزا إليه .
 واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلا لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك , لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم , ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يكن هناك قرينة تعميم
 
قال الزهري فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية , إنما كان القتال حيث التقى الناس , ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس كلم بعضهم بعضا والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا في تلك المدة إلا دخل فيه , ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر , يعني من صناديد قريش .
 ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه كان مقدمة بين الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا , وكانت الهدنة مفتاحا لذلك .
 ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحا كما سيأتي في المغازي , فإن الفتح في اللغة فتح المغلق , والصلح كان مغلقا حتى فتحه الله , وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت , وكان في الصورة الظاهرة ضيما للمسلمين وفي الصورة الباطنة عزا لهم , فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير , وأسمع المسلمون المشركين القرآن , وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين , وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية , وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

No comments :

Post a Comment