Monday, January 20, 2014

895 - ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة

 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان ، وكانت تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها يوما فأطعمته ، وجعلت تفلي رأسه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : ما يضحكك يا رسول الله ؟
قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة ، أو : مثل الملوك على الأسرة . شك إسحق ،
قالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك ، فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟
قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله . كما قال في الأولى ،
قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ،
قال : أنت من الأولين .
فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7001 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان: "أم حرام" بفتح الحاء والراء، "بنت ملحان" بكسر الميم وسكون اللام، وهي خالة أنس -رضي الله عنهما- كما جاء في الرواية الثانية والثالثة والرابعة، ويقال لها: الرميصاء، ويقال لأم سليم الغميصاء، وقيل: بالعكس، والرمص والغمص متقاربان، وهو اجتماع القذى في مؤخر العين وفي هدبها، وقيل: استرخاؤها وانكسار الجفن.
 
قال النووي: واتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، وقال بعضهم: إنما كانت خالته لأبيه أو جده عبد المطلب، وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال ابن عبد البر: وأيهما كان فهي محرم له.
 
وقال بعضهم: لم تكن أم حرام محرما له صلى الله عليه وسلم، ولكن من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه كان يملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وعن قول الرفث، ورد القاضي عياض هذا القول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم، لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل، ومال الحافظ ابن حجر إلى هذا القول، فقال: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية، فقال: ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي المحرمية، لأن أمهاته صلى الله عليه وسلم من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة ، سوى أم عبد المطلب، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، وإلا على أم سليم، فقيل له؟ فقال: أرحمها، قتل أخوها معي، يعني "حرام بن ملحان" وكان قد قتل يوم بئر معونة، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين ما أفهمه هذا الحصر في الصحيح وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام، فقال ما حاصله: إنهما أختان كانتا في دار واحدة، وكانت كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معا، فالعلة مشتركة فيهما، وقد انضم إلى العلة المذكورة -علة الرحمة- كون أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
 
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، قال الحافظ ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر. اهـ.
 
وقال ابن العربي: يحتمل أن ذلك كان قبل الحجاب، ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب قطعا، فقد كان هذا بعد حجة الوداع، وكان الحجاب في زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
 
تحت عبادة بن الصامت: اى زوجته
 
فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه: في رواية البخاري "وجعلت تفلي رأسه" "تفلي" بفتح التاء وسكون الفاء وكسر اللام، أي تفتش، ولا يلزم من ذلك وجود الهوام، فكثيرا ما يكون ذلك لتخدير الجسم وارتخائه استجلابا للنوم
 
 
ثم استيقظ وهو يضحك: فرحا وسرورا بكون أمته تبقى بعده متمسكة بأمور الإسلام، قائمة بالجهاد، حتى في البحر، قال النووي، وقال الحافظ ابن حجر: كان ضحكه إعجابا بهم، وفرحا، لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة
 
ناس من أمتي عُرضوا علي: أي في منامي
 
يركبون ثبج هذا البحر: بفتح الثاء والباء، بعدها جيم، والثبج ظهر الشيء
 
ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة:  قال ابن عبد البر: أراد -والله أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة، ورؤياه وحي، وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة على سرر متقابلين [الحجر: 47] وقال على الأرائك متكئون [يس: 56] والأرائك السرر، وقال عياض: هذا محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون خبرا عن حالهم في الغزو، من سعة أحوالهم، وقوام أمرهم، وكثرة عددهم، وجودة عددهم، فكأنهم الملوك على الأسرة، اهـ. أي أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم في الدنيا أو في الآخرة، ويحتمل التشبيه أيضا، أي هم فيما سيكونون عليه في الآخرة من النعيم الذي أثيبوا عليه في غزاتهم وجهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم
 
فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم: قالت ذلك في الثانية لظنها أن الثانية تساوي الأولى في المرتبة، فسألت ثانيا ليتضاعف لها الأجر، لا أنها شكت في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الأولى، وفي جزمه بالإجابة، قال الحافظ ابن حجر: لما لم يقع لها التصريح بأنها تموت قبل زمان الغزوة الثانية، جوزت أنها تدركها، فتغزو معهم، ويحصل لها أجر الفريقين
 
أنت من الأولين: في رواية "ولست من الآخرين" فأعلمها صلى الله عليه وسلم أنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية
 
فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية: في الرواية الثانية "فتزوجها عبادة بن الصامت بعد، فغزا في البحر، فحلمها معه" وفي رواية "فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا، أول ما ركب المسلمون البحر، مع معاوية" وفي رواية "فتزوج بها عبادة، فخرج بها إلى الغزو" وفي رواية "فتزوجت عبادة، فركبت البحر مع بنت قرظة" امرأة معاوية واسمها فاختة.
 
 
وظاهر قولها "في زمن معاوية" يوهم أن ذلك كان في خلافته، وليس كذلك، بل كان في خلافة عثمان، ومعاوية يومئذ أمير الشام، سنة ثمان وعشرين، فقد نقل الطبري أن أول من غزا البحر معاوية في زمن عثمان، وكان قد استأذن عمر، فلم يأذن له، فلم يزل بعثمان حتى أذن له، وقال له: لا تنتخب أحدا -أي لا تلزم أحدا بالخروج معك- بل من اختار الغزو فيه طائعا فأعنه، ففعل، فغزا الروم، فصالح أهل قبرص
 
فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت: والحاصل أن البغلة الشهباء قربت إليها لتركبها، فشرعت لتركب، فسقطت، فاندقت عنقها، فماتت، قيل: إن موتها كان بساحل الشام بعد العودة من الغزو، لما خرجت من البحر، وقبرها بساحل حمص، وجزم جماعة بأن قبرها بجزيرة قبرص
 
قال النووي: في هذا الحديث جواز ركوب البحر، للرجال والنساء، وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء، لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما ضرورتهم إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال [قلت: كانت هذه الموانع في الزمن الأول، وفي السفن الشراعية، أما السفن العملاقة في هذه الأيام فهي أكثر تسترا من شوارع المدينة، لكن لا ننسى أن المالكية يكرهون خروج الشابات إلى المساجد] ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقا. اهـ. والأولى أن يقال: يحرم التعرض لأخطاره.
 
قال القاضي: وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز منع ركوبه، وقيل: إنما منعاه للتجارة وطلب الدنيا، لا للطاعات، وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز، وضعف أبو داود هذا الحديث، وقال: رواته مجهولون.
 
ثم قال النووي: واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المقتول في سبيل الله والميت فيه سواء في الأجر، بحجة أن أم حرام ماتت، ولم تقتل. قال النووي: ولا دلالة فيه لذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنهم شهداء، إنما قال "يغزون في سبيل الله" لكن ذكر مسلم في باب بعد الباب التالي عن أبي هريرة "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد" وهو موافق لقول الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله [النساء: 100] اهـ. وعبارة ابن عبد البر: في الحديث أن من يموت غازيا يلحق بمن يقتل في الغزو. اهـ. وهو ظاهر القصة، لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل الاستواء في الدرجات
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 

No comments :

Post a Comment