Sunday, May 18, 2014

1199 - أن رجلا كان قبلكم ، رغسه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر : أي أب كنت لكم ؟ قالوا : خير أب ، قال : فإني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ، فجمعه الله عز وجل فقال : ما حملك ؟ قال : مخافتك ، فتلقاه برحمته ، صحيح البخاري

 
أن رجلا كان قبلكم ، رغسه الله مالا ،
فقال لبنيه لما حضر : أي أب كنت لكم ؟ قالوا : خير أب ،
قال : فإني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ،
فجمعه الله عز وجل فقال : ما حملك ؟ قال : مخافتك ، فتلقاه برحمته ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3478 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
رَغَسَهُ اللَّهُ مالا :  أي كثر ماله ، وقيل رغس كل شيء أصله ، فكأنه قال جعل له أصلا من مال ، او رزقه الله مالاً وفيراً
 
هذا الحديث يتضمن من غرائب الحوادث والوصايا التي كانت تقع في الزمن السابق ما قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يقع فيه من الغرائب والعجائب التي إما أنه لم يعد يقع مثلها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لحكمةٍ أرادها الله، وإما أنه قد يقع شيء منها ولكن لا يبلغنا خبرها؛ لأنه ليس لنا هناك من يستقصي هذه الأخبار إلا الخالق لأصحابها وأصحاب العلاقات بها، ثم هو يوحي بها إلى نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام، ثم هو يبلغها أمته موعظةً وذكرى
 
الحديث يتكلم عن رجل استمر في إسرافه على نفسه، وظلمه لها، حتى حضره الموت، أي لم يكن من أولئك الذين يقضون شطراً من حياتهم في الإسراف في الفسق والفجور، ثم قبيل وفاتهم يرجعون إلى الله تبارك وتعالى ويتوبون إليه
 هذا الإنسان لم يكن كذلك، وإنما استمر في إسرافه وفي ظلمه لنفسه ومعصيته لربه حتى حضره الموت، لكنه لم يكن من أولئك الناس المغرورين الذين يسيئون العمل ثم يرجون من الله تبارك وتعالى المغفرة
هكذا كثير من المسلمين اليوم مع الأسف الشديد، يتواكلون على مغفرة الله عز وجل، ولا يتعاطون من الأعمال الصالحات ما بها يستحقون مغفرة الله تبارك وتعالى، فهذا الرجل كان معترفاً بتقصيره وبجنايته على نفسه، ومع ذلك فيبدو من هذه القصة العجيبة أنه كان إيمانه لا يزال حياً في قلبه، وكان لا يزال فيه شيء استحق به أن ينال مغفرة الله تبارك وتعالى
 
مع أنه سلك سبيلاً ربما لم يسلكه أحدٌ قبله ولا أحدٌ بعده، ذلك أنه أوصى بهذه الوصية الجائرة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (فلما حضره الموت، قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني) ولم يقنع بهذا،
ثم قال: (اطحنوني) تصوراً منه أن الحرق قد لا يأتي على عظامه كلها، فيبقى هناك شيء قائم من هذه العظام، فتأكيداً لما خيل له من وسيلة للنجاة من عذاب الله عز وجل، قال لهم: (اطحنوني) وهذا باعتبار ما كان، كان إنساناً قوياً، فمات فأمرهم بأن يحرقوه بالنار، ثم أكد لهم ذلك بأن يطحنوه، ثم يأخذوا الحاصل من ذلك الحرق والطحن وهو أن يصبح رميماً،
قال: (ثم ذروني في الريح). وفي رواية أخرى فيها توضيح كما سمعتم وسيأتي أيضاً: أنه أمر بأن يذَرُّوا، أو يذْروا -روايتان- نصف الرماد هذا في البر ونصفه في البحر، مبالغة في أن يضيع على الله عز وجل في زعمه الضال،
قال: (ثم ذروني في الريح) لماذا أوصى بهذه الوصية الجائرة الغريبة؟
حلف وبين فقال: (فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً) أي: من المسرفين على أنفسهم،
 (فلما مات فعل به) وهنا يظهر نوع من الطاعة من الأولاد للآباء، طاعة متناهية، ولكن يظهر أنه لم يكن عندهم في شرعهم أن مثل هذه الوصية هي وصيةٌ جائرة لا يجوز الإيصاء بها، وإذا ما أوصى بها جائرٌ كهذا فلا يجوز للموصى له أن ينفذها؛ لأنها مخالفة لشريعة الله عز وجل،
فتنفيذ هؤلاء الأبناء لوصية أبيهم هذا يحمل على وجه من وجهين:
الأول: أنه ربما لم يكن في شرعهم أن هذا لا يجوز.
الوجه الآخر: أنه إذا كان ذلك في شرعهم فهؤلاء لم يكونوا على علم بذلك، ولذلك بادروا فنفذوا وصية أبيهم هذه.
قال عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: (فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك) بعد أن تفرقت ذرات هذا الإنسان المحرق بالنار والمذرو في الريح وفي البحر، قال لكل من البحر والأرض اليابسة: اجمعي ذرات فلان، وقال لها: كوني فلاناً، فكانت بشراً سوياً، فقال سبحانه وتعالى مخاطباً لهذا الإنسان بعد أن أعاده كما كان: (ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغفر له)
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 

No comments :

Post a Comment