Wednesday, May 28, 2014

1234 - أمرت أن أقاتل الناس ، وفي رواية : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوا : لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها . وحسابهم على الله . ثم قرأ : { إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر } [ 88 / الغاشية / آية 21 ، 22 ] ، صحيح مسلم

أمرت أن أقاتل الناس ، وفي رواية : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله .
فإذا قالوا : لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها . وحسابهم على الله .
ثم قرأ : { إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر } [ 88 / الغاشية / آية 21 ، 22 ] ، صحيح مسلم
------------------------------------------------
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 21 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستُخلِف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:   أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله   ؟! فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:   أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله   .
هكذا جاءت هذه الأحاديث في الأمر بقتال الناس وذلك بعد أن تمت الأحكام، وعرف الناس هذه الرسالة، وقامت عليهم الحجة، وبلغتهم الدعوة، وجب عليهم الدخول في الإسلام، ولم يَجُز تركهم على الكفر، بل يجب أن يُقاتلوا إلى أن يسلموا، إلا أهل الكتاب والمجوس فإنهم إذا بذلوا الجزية يُكف عن قتالهم.
في هذا الحديث أو في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتد كثير ممن حول المدينة وممن كانوا قد أسلموا، فمنهم من عاد إلى عبادة الأصنام، ومنهم من صدق مسيلمة الذي ادعى أنه نبي، أو صدق امرأة متنبئة يقال لها: سَجَاح أو صدق رجلا من بني أسد يقال له: طُليحة ادعى النبوة، ومنهم من بقي على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة وقالوا: إنها من خصائص محمد .
أبو بكر رضي الله عنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم عزم على قتالهم جميعا، فقاتل الذين عبدوا الأصنام؛ لأنهم كفار، وقاتل أيضا الذين صدقوا المتنبئين حتى رجعوا، وبقيت طوائف منعوا الزكاة، فحصل هذا الجدال أو الخلاف بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اجتهد وظن أنهم يكفي منهم قول: لا إله إلا الله والعبادة والتوحيد، ولكن أبا بكر رضي الله عنه عرف أن الإسلام لا يتجزأ، وأن أركانه لا بد من الإتيان بها كلها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وألزم بها وكلها متماسكة؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم:   أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله   يعني: حتى يوحدوا الله، في بعض الروايات في صحيح مسلم  ويؤمنوا بي وبما جئت به   أي: يصدقوا بالرسالة كلها، وإذا آمنوا بها عملوا بها.
ثم قال:   فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها   كلمة إلا بحقها يعني: إلا بحق لا إله إلا الله، فمن لم يأت بحق لا إله إلا الله لم تنفعه، فَمِن حق لا إله إلا الله الإخلاص، ومن حق لا إله إلا الله الصلاة، ومن حقها الزكاة، ومن حقها الصوم، ومن حقها تحريم المحرمات، فمن لم يحرم الربا مثلا لم يأت بحق لا إله إلا الله، ومن لم يحرم الزنا لم يأت بحق لا إله إلا الله، ومن لم يحرم الخمر لم يأت بحقها، وكذلك بقية أركان الإسلام كلها من حق لا إله إلا الله، فالزكاة من حقها.
فلذلك قال أبو بكر فإن الزكاة حق المال. فهي من حق لا إله إلا الله، عزم على قتالهم، فقال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم أن من حق لا إله إلا الله ما تستلزمه، وهكذا فهم أبو بكر الخليفة الأول الراشد من الخلفاء الراشدين، وأقره على ذلك عمر والتزم بقتال كل من ارتد أو منع حقا من حقوق الله تعالى ومن حقوق المال.
الزكاة حق المال، ويقول أبو بكر رضي الله عنه: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. العقال: الذي تربط به يد الناقة، تعقل به، في رواية: لو منعوني عناقا. السخلة الصغيرة من أولاد الغنم، فهذا دليل على أن لا إله إلا الله لها حقوق، لا يكفي مطلق أن يقولوها اللسان، بل لا بد أن يعملوا بها.
ثم إن الحديث الذي رواه عمر قد رُوي فيه ذكر الزكاة، وفي حديث عبد الله بن عمر الذي سمعنا قال صلى الله عليه وسلم:   أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله   .
فذكر أنه أمر بأن يقاتل الناس أي: جميعا حتى يأتوا بهذه الأركان: الشهادتان هما الأساس يشهدوا أن لا إله إلا الله يعني: يعملوا بها ويخلصوا العبادة لله، وأشهد أن محمدا رسول الله يعني: يتبعوه ويتقبلوا كل ما جاء به، الصلاة يعني: يأتون بها كاملة، الزكاة: يؤدونها كما فرضت، اقتصر في هذا الحديث على ثلاثة أركان، على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا هو التوحيد، وعلى الصلاة، والزكاة، وترك ذكر الصيام والحج لأنهما داخلان في حق لا إله إلا الله لأنه قال:   عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها   دليل على أن هذه الأركان بعضها يشد بعضا، وأنها متماسكة
-----------------------------
من شرح الحديث لبن جبرين
الناس: لفظ عام يدخل فيه كل الخلق، إن أسماء الجنس المحلاة بالألف واللام تفيد الاستغراق، والاستغراق يفيد العموم، كما لو قلت: حيوان، هذا اسم جنس، تدخل عليه الألف واللام فتكون (الحيوان)، فالألف واللام إما أن تفيد العهد أو تفيد الاستغراق، العهد الذي هو التخصيص، كما لو قلت: يا أيها الرجل قف، يبقى أنت قصدت رجلاً بعينه، فالألف واللام هنا رغم أنها دخلت على كلمة رجل وهي من أسماء الجنس إلا أنها تفيد العهد، لأنك قصدت رجلاً بعينه ولم تقصد كل الرجال. يا أيها الرجال! هذا يفيد العهد بالنسبة للنساء؛ لأنه خرج منه النساء والحيوانات والأشجار والرمال.. فصار يفيد العهد على جنس الرجال فقط، ويفيد الاستغراق على جنس الرجال الذكور، الألف واللام إما تفيد العهد أو الاستغراق. لكن كيف أعرف أنها تفيد العهد والاستغراق؟ قال: السياق من المقيدات، فلفظة الناس رغم أنها تفيد العموم إلا أنها مرة تفيد الخصوص ومرة تفيد العموم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدون الناس كالإبل المائة، لا ترى فيها راحلة)، يعني أن الناس مثل مائة ناقة، لكن التي تستطيع أن تركبها واحدة فقط، فالناس كثير، لكن الذين تنتفع بهم من الناس أقل القليل، هذا معنى الحديث، فالناس هنا لفظ عام يراد به الخصوص. كما قال الطحاوي في مشكل الآثار.
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] الناس هنا تفيد الخصوص أم العموم؟ تفيد الخصوص، لأن اليهود من الناس والآية لا تخاطبهم، والنصارى من الناس والآية لا تخاطبهم، المجوس بقية الخلق، الآية تخاطب المسلمين فقط، وليس كل المسلمين، فهي لا تخاطب الأطفال ولا المجانين، ولا تخاطب الذين لم يجب عليهم الحج، ومع ذلك فالآية لا تتناولهم: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا [الحج:27] فهذا الصبي الصغير ابن ثلاث سنوات لا يدخل في الآية مع أنه من الناس، إذاً: لفظ الناس وإن كان عاماً لكن يراد به الخصوص. ما الذي أعلمنا أنه يراد به الخصوص؟ السياق، والسياق من المقيدات. وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] لفظ عام يفيد العموم أم يفيد الخصوص؟ يفيد العموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى كل الخلق، ويدل على ذلك استخدام لفظة: (جميع) وهي من ألفاظ العموم، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] مثل لفظة: كل، ومثل لفظة: معاشر, (إنا معاشر الأنبياء) وهذه تفيد العموم. بعد هذا البيان نأتي إلى هذا الحديث: (أمرت أن أقاتل الناس) فيدخل فيه المسلمون دخولاً أولياً، لأن الأصل في الأدلة العموم -كما يقول الشاطبي- وليس الخصوص، والأصل في الأدلة الإطلاق وليس التقييد، والأصل في الأدلة عدم النسخ وليس النسخ، يبقى الأصل في الأدلة العموم، فنحن نتعامل مع لفظة (الناس) على أنها من العموم حتى نصل ونرى هذا الرجل كيف فهم هذا الحديث. (أمرت أن أقاتل الناس) يدخل في الناس المسلمون، هل المسلمون مقصودون بالحديث أن الرسول سيقاتلهم؟ لا. لأنهم مؤمنون، إذاً المسلمون خرجوا من الحديث، فالناس مؤمن وكافر، والمؤمن غير مراد من الحديث لأنه آمن، بل أنت تقاتل به، وهو من جنودك، إذاً ما بقي إلا الكافرون، الكافرون قسمان: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] كلمة (حتى) لفظ لانتهاء الغاية، يعني: سنقاتلكم حتى تدفعوا الجزية، فإذا دفعتم الجزية فلا نقاتلكم. إذاً: الكافرون قسمان: قسم دفع الجزية وهو صاغر، إذاً هل هو داخل تحت الحديث؟ لا. ليس داخلاً تحت الحديث؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى قال: قاتلوا حتى.. فإذا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فلا يحل لنا قتالهم. القسم الثاني: المناوئ للدعوة، الذي لا يريد أن يدفع الجزية والذي لا يريدك أن تنشر الإسلام، هذا هو المعني بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وهذا الكلام ليس فيه غموض، ولا يوجد فيه أي إشكال
-----------------------------
من شرح الحديث لأبى اسحاق الحوينى
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment