Thursday, May 29, 2014

1240 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق ، داخلا من بعض الْعَالِيَةِ ، والناس كَنَفَتَيْهِ . فمر بجدي أَسَكَّ ميت . فتناوله فأخذ بأذنه . ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء . وما نصنع به ؟ قال: أتحبون أنه لكم ؟ قالوا: والله لو كان حيا ، كان عيبا فيه ، لأنه أسك . فكيف وهو ميت ؟ فقال: فوالله للدنيا أهون على الله ، من هذا عليكم ، صحيح مسلم

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق ، داخلا من بعض الْعَالِيَةِ ، والناس كَنَفَتَيْهِ .
فمر بجدي أَسَكَّ ميت . فتناوله فأخذ بأذنه .
ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟
فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء . وما نصنع به ؟
قال: أتحبون أنه لكم ؟
قالوا: والله لو كان حيا ، كان عيبا فيه ، لأنه أسك . فكيف وهو ميت ؟
فقال: فوالله للدنيا أهون على الله ، من هذا عليكم ، صحيح مسلم
------------------------------------------------
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2957 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
مر بالسوق داخلا من بعض العالية: أي كان دخوله صلى الله عليه وسلم من بعض العالية إلى السوق ، والعالية والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة ، والنسبة إليها علوي وأدناها على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال قاله ابن الأثير
وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ: المعنى على جانبيه
أَسَكَّ :  قال القاضي عياض في المشارق : يطلق على ملتصق الأذنين وعلى فاقدهما وعلى مقطوعهما وعلى الأصم الذي لا يسمع ، والمراد هاهنا الأول . وقال ابن الأثير : المراد الثالث ، وقال النووي في شرح مسلم والقرطبي المراد صغير الأذنين
 والحديث فيه جواز مس ميتة مأكول اللحم ، وأن غسل اليد بعد مسها ليس بضروري
يبيّن هذا الموقف العظيم مدى حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تحذير أصحابه من خطر الدنيا والافتتان بها، وهو – فوق ذلك – يُغذّي عقول الناس أن الحياة الصحيحة المستحقّة لألوان البذل والتضحيّة إنما هي وراء هذه الحياة لا فيها، وأما ما كان قبل ذلك فهو غرور ووهم كما وصفها الله تعالى في محكم كتابه :{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } (الحديد:20).
ولقد تنوّعت أساليب النبي – صلى الله عليه وسلّم – في تصوير حقيقة الدنيا والتحذير من زخرفها، فتارةً نراه يطرق حال الفقراء والأغنياء في عرصات القيامة وما بعدها، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الأكثرين هم الأقلّون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا –يقصد من تصدق عن يمينه وشماله ومن خلفه -، وقليلٌ ما هم) رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام : (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ) رواه الترمذي ، وصحّ عنه – صلى الله عليه وسلم - قوله: (قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجدّ - أي الموسرون - محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار) متفق عليه.
وتارة يمثّل النبي – صلى الله عليه وسلم – الدنيا لأصحابه بالأمثلة المعنويّة والحسّيّة التي ترسّخ في نفوسهم حقارة الدنيا ودنوّها، وأنّها لا تساوي شيئا عند الله تعالى ، ومن قبيل المعنوي: تشبيه النبي عليه الصلاة والسلام للدنيا بالزهرة التي سرعان ما تذبل، وبالأرض اليانعة التي لا تلبث أن تفقد جمالها وألوانها، ومن جملة الشواهد على ذلك قوله تعالى : { زهرة الحياة الدنيا } (طه:131)، وقوله تعالى : {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا} (الكهف:45)، وما صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) رواه الترمذي ، ومن التمثيل الحسّي لحقيقة الدنيا الموقف الذي بين يدينا.
ومن نسمات عبير هذا الموقف النبوي، أن نلحظ كيف كان النبي – صلى الله عليه وسلّم – ينوّع في أساليبه الوعظيّة والتربويّة فلا يقف فيها عند نمطٍ واحد، بل هو تجديد يُراد به إشعار النفس بالفكرة المطلوبة بطريقة عمليّة واضحة، وهو الأمر الذي يحتاجه الدعاة والمصلحون لإيصال رسالتهم وتحقيق أهدافهم.
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment