Monday, December 23, 2013

686 - فى النوم عن صلاة الصبح و التيمم من الجنابة

كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنا أسرينا ، حتى كنا في آخر الليل ، وقعنا وقعة ، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها ، فما أيقظنا إلا حر الشمس ، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء فنسي عوف - ثم عمر بن الخطاب الرابع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه ، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس ، وكان رجلا جليدا ، فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير ، حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم ،
 فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم ، قال : لا ضير أو لا يضير ، ارتحلوا . فارتحل فسار غير بعيد ، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس ، فلما انفتل من صلاته ، إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم ، قال : ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم . قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك .
ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشتكى إليه الناس من العطش ، فنزل فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف - ودعا عليا فقال : اذهبا فابتغيا الماء .
فانطلقا ، فتلقيا امرأة بين مزادتين ، أو سطيحتين من ماء على بعير لها ، فقالا لها : أين الماء ؟ قالت : عهدي بالماء أمس هذه الساعة ، ونفرنا خلوف ، قالا لها : انطلقي إذا ، قالت : إلى أين ؟ قالا : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : الذي يقال له الصابىء ؟ قالا : هو الذي تعنين ، فانطلقي ،
 فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاه الحديث ، قال : فاستنزلوها عن بعيرها ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ، ففرغ فيه من أفواه المزادتين ، أو سطيحتين ، وأوكأ أفواهما ، وأطلق العزالي ،
ونودي في الناس : اسقوا واستقوا ، فسقى من شاء ، واستقى من شاء ، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء ، قال : اذهب فأفرغه عليك .
وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها ، وأيم الله ، لقد أقلع عنها ، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لها . فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة ، حتى جمعوا لها طعاما ، فجعلوها في ثوب ، وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها ،
قال لها : تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ، ولكن الله هو الذي أسقانا .
فأتت أهلها وقد احتبست عنهم ، قالوا : ما حبسك يا فلانة ؟
قالت : العجب ، لقيني رجلان ، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابىء ، ففعل كذا وكذا ، فوالله ، إنه لأسحر الناس ممن بين هذه وهذه - وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة ، فرفعتهما إلى السماء : تعني السماء والأرض - أو إنه لرسول الله حقا .
فكان المسلمون بعد ذلك ، يغيرون على من حولها من المشركين ، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه ، فقالت يوما لقومها : ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا ، فهل لكم في الإسلام ؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: عمران بن حصين المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 344 خلاصة الدرجة: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
كنا في سفر: أي عند رجوعهم من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما رواه أبو داود أو في طريق مكة كما في الموطأ من حديث زيد بن أسلم مرسلا أو بطريق تبوك كما رواه عبد الرزاق مرسلا
 مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنا أسرينا: قال الجوهري : تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا
 حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة: أي نمنا نومة
 ولا وقعة أحلى عند المسافر منها: أي من الوقعة في آخر الليل
 رجلا جليدا : بفتح الجيم وكسر اللام من الجلادة وهي الصلابة ،  وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب فى ايقاظ النبى صلى الله عليه و سلم
معتزل: أي منفرد عن الناس لم يصل مع القوم
عليك بالصعيد: مذكور في الآية الكريمة ( فتيمموا صعيدا طيبا)
الصابئ: من صبأ أي خرج من دين إلى آخر ، ويروى بتسهيله ياء من صبا يصبي أي المائل
قالا : هو الذي تعنين : أي تريدين وفيه تخلص حسن لأنهما لو قالا : لا لفات المقصود ، ولو قالا : نعم لكان فيه تقرير لكونه عليه الصلاة والسلام صائبا ، فتخلصا بهذا اللفظ وأشار إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها
 فاستنزلوها عن بعيرها: أي طلبوا منها النزول عنه
أوكأ: أي ربط
اجمعوا لها: لعله تطييبا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها وما نالها من مخافتها أخذ مائها لا أنه عوض عما أخذ من الماء
فوائد هذا الحديث كثيرة جدا، ونحن نشير إلى مهماتها إشارة لطيفة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
فأما قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فالمراد: أنه صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه في نومه كما يوحى إليه في يقظته، ورؤيا الأنبياء وحي، ولهذا كانت تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فكانوا يخشون أن يقطعوا عليه الوحي إليه بإيقاظه.
ولا تنافي بين نومه حتى طلعت الشمس وبين يقظة قلبه؛ فإن عينيه تنامان، والشمس إنما تدرك بحاسة البصر لا القلب وقد يكون الله عز وجل أنامه حتى يسن لأمته قضاء الصلاة بعد فوات وقتها بفعله، فإن ذلك آكد من تعليمه بالقول، وقد ورد التصريح بهذا من حديث ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم الصبح ذلك اليوم بعد طلوع الشمس وانصرف قال: "إن الله عز وجل لو شاء أن لا تناموا عنها لم تناموا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم". خرجه الإمام أحمد وغيره. وهذا يشبه ما ذكره مالك في "الموطأ" أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إنما أنسى لأسن".
وقوله: "ما أيقظنا إلاّ حر الشمس"، يدل على أن الشمس كانت قد ارتفعت وزال وقت النهي عن الصلاة، لأن حرها لا يكاد يوجد إلا بعد ذلك، وفي هذا دليل على أن ارتحالهم عن ذلك المكان لم يكن للامتناع من القضاء في وقت النهي عن الصلاة، بل كان تباعدا عن المكان الذي حضرهم فيه الشيطان كما جاء التصريح به في حديث آخر. ولكن في "صحيح مسلم" في هذا الحديث -أعني حديث عمران بن حصين -[أنهم ناموا حتى بزغت الشمس و] أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال: "ارتحلوا" فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة. كذا خرجه من رواية سلم بن زرير، عن أبي رجاء، وفي سياقه بعض مخالفة لرواية عوف، عن أبي رجاء التي خرجها البخاري، وفيه أنه كان أول من استيقظ أبو بكر رضي الله عنه.
وقوله: "فدعا رسول الله بالوضوء فتوضأ" يدل على أن من معه ماء وكان في مفازة فإنه يتوضأ منه، ولا يتيمم ويحبسه خشية أن يبتلى هو أو أحد من رفقته بعطش. ويدل على هذا أن عمران ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم وسار شكى الناس إليه العطش. وفي رواية مسلم المشار إليها: قال عمران: ثم عجلني في ركب بين يديه، نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا وذكر الحديث. وهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يخش على نفسه عطشا، فإن من خاف على نفسه العطش ومعه ماء يسير فإنه يتيمم
ويدعه لشربه
وفي الحديث: دليل على أن الفوائت يؤذن لها وتصلى جماعة.
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي لم يصل مع القوم: "ما منعك أن تصلي مع القوم" قَالَ: أصابتني جنابة ولا ماء. قَالَ: "عليك بالصعيد، فإنه يكفيك" فيه دليل على التيمم للجنابة كالتيمم للحدث الأصغر، ودليل على أن عادم الماء يكفيه الصعيد من الماء. ولهذه الكلمة خرج البخاري هذا الحديث في هذا الباب، وجعله دليلا له على إقامة التيمم مقام الطهارة عند عدم الماء، فيؤخذ من هذا: أنه يصلي بالماء كما هو اختيار البخاري ومن قال بقوله من العلماء.
وفيه دليل على أنه لا يجب طلب الماء إذا غلب على الظن عدمه أو قطع بذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم، ولم يأمره بطلب الماء، ولا بسؤال رفقته
وقول تلك المرأة: "ونفرنا خلوف" قال الخطابي: النفر: الرجال، والخلوف: الذين خرجوا للاستقاء، وخلفوا النساء والأثقال، يقال: أخلف الرجل واستخلف: إذا استقى الماء. قال: ويقال لكل من خرج من دين إلى دين آخر: صابئ -بالهمز-، وأما صبا يصبو -بلا همز- فمعناه: مال. قال: والعزالي: جمع عزلاء، وهي عروة المزادة، يخرج منها الماء بسعة. وقال غيره: العزلاء: فم المزادة الأسفل، وتجمع على عزالى وعزالي -بكسر اللام وفتحها- كالصحاري والعذاري. قال: والصرم: النفر النازلون على ماء، ويجمع أصرام، فأما الصرمة -بالهاء-: فالقطعة من الإبل نحو الثلاثين عددا. قال: وقوله: "ما رزأناك"، أي: ما نقصناك، ولا أخذنا منك شيئا.
قلت: وفي الحديث معجزة عظيمة، وعلم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بتكثير الماء القليل ببركته، وإرواء العطاش منه، واستعمالهم وأخذهم منه في قربهم، من غير أن ينقص الماء المأخوذ منه شيئا، ولذلك قال للمرأة: "ما رزيناك من مائك شيئا، وإنما سقانا الله عز وجل"، وفي رواية مسلم المشار إليها في هذا الحديث: فأمر براويتها فأنيخت، فمج في العزلاوين العلياوين، ثم بعث براويتها فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا، غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج من الماء- يعني المزادتين- وذكر بقية الحديث.
وإنما لم يستأذن المرأة أولا في الشرب من مائها والأخذ منه، لأن انتفاعهم إنما كان بالماء الذي أمده الله بالبركة، لم يكن من نفس مائها، ولذلك قال: "ما رزئناك" من مائك شيئا، وإنما سقانا الله"
وفي حديث عمران -أيضا- دليل على جواز استعمال ماء المشركين الذي في قربهم ونحوها من أوعية الماء المعدة له، وقد سبق الكلام على ذلك في كتاب "الوضوء".
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment