Tuesday, April 22, 2014

1085 - يا مولى الزبير اقض عنه دينه

 
عن عبدالله بن الزبير: لما وقف الزبير يوم الجمل ، دعاني فقمت إلى جنبه ،
فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ،
وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا ؟
يا بني بع مالنا فاقض ديني ،
وأوصى بالثلث ، وثلثه لبنيه - يعني بني عبد الله بن الزبير - ثلث الثلث ،
فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك ،
قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير ، خبيب وعباد ، وله يؤمئذ تسعة بنين وتسع بنات .
قال عبد الله : فجعل يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي .
قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟
قال : الله ،
قال : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه ،
فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين ، منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر ، قال : إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ،
فيقول الزبير : لا ، ولكنه سلف ، فإني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ، ولا جباية خراج ، ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ،
قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ،
فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي ، كم على أخي من الدين ؟ فكتمه ، فقال : مائة ألف ،
فقال حكيم : والله ما أرى أموالكم تسع لهذه ، فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف ؟
قال : ما أراكم تطيقون هذا ، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي ، قال : وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ، ثم قام فقال : من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على الزبير أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم ، قال عبد الله : لا ،
قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم ، فقال عبد الله : لا ، قال : فاقطعوا لي قطعة ، فقال عبد الله : لك من ها هنا إلى ها هنا ،
قال : فباع منها فقضى دينه فأوفاه ، وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة ، فقال له معاوية : كم قومت الغابة ؟
قال : كل سهم مائة ألف ، فكم بقي ، قال : أربعة أسهم ونصف ،
قال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهما بمائة ألف ،
قال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهما بمائة ألف ،
وقال ابن زمعة : قد أخذت سهما بمائة ألف ،
فقال معاوية : كم بقي ؟ فقال : سهم ونصف ،
قال : أخذته بخمسين ومائة ألف ،
وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف ،
فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه ، قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا ، قال : لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين : ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ، قال : فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ،
فكان للزبير أربع نسوة ، ورفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف ، فجميع ماله خمسون ألف ألف ، ومائتا ألف ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3129 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]  
------------------------------------------------
الشرح:
 
يوم الجمل: يريد الوقعة المشهورة التي كانت بين علي بن أبي طالب ومن معه وبين عائشة رضي الله عنها ومن معها ومن جملتهم الزبير ، ونسبت الوقعة إلى الجمل لأن يعلى بن أمية الصحابي المشهور كان معهم فأركب عائشة على جمل عظيم اشتراه بمائة دينار - وقيل ثمانين ، وقيل أكثر من ذلك - فوقفت به في الصف ، فلم يزل الذين معها يقاتلون حول الجمل حتى عقر الجمل فوقعت عليهم الهزيمة
 
لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم:
قال ابن بطال : معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا من الفريقين كان يتأول أنه على الصواب ،
وقال ابن التين : معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم ،
وقال الكرماني : إن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين .
ويحتمل أن تكون " أو " للشك من الراوي ، وأن الزبير إنما قال أحد اللفظين ، أو للتنويع والمعنى لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة ،
أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل له الشهادة ، وظن على التقديرين أنه يقتل مظلوما إما لاعتقاده أنه كان مصيبا
وإما لأنه كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع علي وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير " بشر قاتل ابن صفية بالنار " ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد وغيره من طريق زر بن حبيش عن علي بإسناد صحيح ، ووقع عند الحاكم من طريق عثام بن علي عن هشام بن عروة في هذا الحديث مختصرا قال " والله لئن قتلت لأقتلن مظلوما ، والله ما فعلت وما فعلت " يعني شيئا من المعاصي
 
وإني لا أراني: بضم الهمزة من الظن ، ويجوز فتحها بمعنى الاعتقاد ، وظنه أنه سيقتل مظلوما قد تحقق لأنه قتل غدرا بعد أن ذكره علي فانصرف عن القتال فنام بمكان ففتك به رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي
 
وإن من أكبر همي لديني: اى اكثر ما يهمنى ديونى
 
وأوصى بالثلث: أي ثلث ماله
 
وثلثه: أي ثلث الثلث
 
فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك: قال المهلب : معناه ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به من الثلث لبنيه
 
وكان بعض ولد عبد الله: أي ابن الزبير
 
قد وازى: المراد أنه ساواهم في السن
 
قال ابن بطال يحتمل أنه ساوى بنو عبد الله في أنصبائهم من الوصية أولاد الزبير في أنصبائهم من الميراث ، قال : " وهذا أولى " وإلا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى .
وفيه نظر لأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار المال الموروث ولا الموصى به ، وأما قوله : لا يكون له معنى ، فليس كذلك لأن المراد أنه إنما خص أولاد عبد الله دون غيرهم لأنهم كبروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك ، فجعل لهم نصيبا من المال ليتوفر على أبيهم حصته
 
وقوله : خبيب وعباد " بالرفع أي هم خبيب وعباد وغيرهما واقتصر عليهما كالمثال وإلا ففي أولاده أيضا من ساوى بعض ولد الزبير في السن
 
الغابة: أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة
 
لا ولكنه سلف: أي ما كان يقبض من أحد وديعة إلا إن رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته ، وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته .
 زاد ابن بطال : وليطيب له ربح ذلك المال
 
وما ولي إمارة قط إلخ: أي أن كثرة ماله ما حصلت من هذه الجهات المقتضية لظن السوء بأصحابها .
 بل كان كسبه من الغنيمة ونحوها .
 وقد روى الزبير بن بكار بإسناده أن الزبير كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج
 
فلقي حكيم بن حزام: قال ابن بطال : إنما قال له مائة ألف وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه ، فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع ويعرفه أنه قادر على وفائه ، وكان حكيم بن حزام ابن عم الزبير بن العوام قال ابن بطال : ليس في قوله مائة ألف وكتمانه الزائد كذب ، لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق قلت : لكن من يعتبر مفهوم العدد يراه إخبارا بغير الواقع ، ولهذا قال ابن التين في قوله : فإن عجزتم عن شيء فاستعينوا بي " مع قوله في الأول : ما أراكم تطيقون هذا " بعض التجوز ، وكذا في كتمان عبد الله بن الزبير ما كان على أبيه ، وقد روى يعقوب بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك أن حكيم بن حزام بذل لعبد الله بن الزبير مائة ألف إعانة له على وفاء دين أبيه فامتنع ، فبذل له مائتي ألف فامتنع إلى أربعمائة ألف ثم قال : لم أرد منك هذا ، ولكن تنطلق معي إلى عبد الله بن جعفر .
 فانطلق معه وبعبد الله بن عمر يستشفع بهم عليه ، فلما دخلوا عليه ، قال : أجئت بهؤلاء تستشفع بهم علي هي لك .
 قال : لا أريد ذلك .
 قال فأعطني بها نعليك هاتين أو نحوها ، قال : لا أريد .
 قال فهي عليك إلى يوم القيامة قال : لا .
 قال : فحكمك .
 قال : أعطيك بها أرضا .
 فقال نعم .
 فأعطاه .
 قال فرغب معاوية فيها فاشتراها منه بأكثر من ذلك
 
وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله: أي ابن الزبير
 
بألف ألف وستمائة ألف: كأنه قسمها ستة عشر سهما لأنه قال بعد ذلك لمعاوية إنها قومت كل سهم بمائة ألف
 
فباع منها: أي من الغابة والدور لا من الغابة وحدها لأنه تقدم أن الدين ألف ألف ومائتا ألف وأنه باع الغابة بألف ألف وستمائة ألف ، وقد جاء من وجه آخر أنه باع نصيب الزبير من الغابة لعبد الله بن جعفر في دينه
 
فقدم على معاوية: أي في خلافته ، وهذا فيه نظر لأنه ذكر أنه أخر القسمة أربع سنين استبراء للدين كما سيأتي فيكون آخر الأربع سنة أربعين وذلك قبل أن يجتمع الناس على معاوية ، فلعل هذا القدر من الغابة كان ابن الزبير أخذه من حصته أو من نصيب أولاده ، ويؤيده أن في سياق القصة ما يؤخذ منه أن هذا القدر دار بينهم بعد وفاء الدين ، ولا يمنعه قوله بعد ذلك : فلما فرغ عبد الله من قضاء الدين ، لأنه يحمل على أن قصة وفادته على معاوية كانت بعد وفاء الدين ، وما اتصل به من تأخر القسمة بين الورثة لاستبراء بقية من له دين ، ثم وفد بعد ذلك ، وبهذا يندفع الإشكال المتقدم وتكون وفادته على معاوية في خلافته جزما والله أعلم
 
فباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية: أي بعد ذلك
 
بستمائة ألف: أي فربح مائتي ألف
 
وكان للزبير أربع نسوة: أي مات عنهن ، وهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل ، وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة ، وأما أسماء وأم كلثوم فكان طلقهما ، وقيل أعاد أسماء وطلق عاتكة فقتل وهي في عدتها منه فصولحت كما سيأتي
 
وفي هذا الحديث من الفوائد ندب الوصية عند حضور أمر يخشى منه الفوت ، وأن للوصي تأخير قسمة الميراث حتى توفى ديون الميت وتنفذ وصاياه إن كان له ثلث ، وأن له أن يستبرئ أمر الديون وأصحابها قبل القسمة ، وأن يؤخرها بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده ، ولا يخفى أن ذلك يتوقف على إجازة الورثة وإلا فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به وصمم عليها أجيب إليها ولم يتربص به انتظار شيء متوهم ، فإذا ثبت بعد ذلك شيء استعيد منه ، وبهذا يتبين ضعف من استدل بهذه القصة لمالك حيث قال : إن أجل المفقود أربع سنين ، والذي يظهر أن ابن الزبير إنما اختار التأخير أربع سنين لأن المدن الواسعة التي يؤتى الحجاز من جهتها إذ ذاك كانت أربعا : اليمن والعراق والشام ومصر ، فبنى على أن كل قطر لا يتأخر أهله في الغالب عن الحج أكثر من ثلاثة أعوام فيحسن استيعابهم في مدة الأربع ، ومنهم في طول المدة يبلغ الخبر من وراءهم من الأقطار .
 وقيل لأن الأربع هي الغاية في الآحاد بحسب ما يمكن أن يتركب منه العشرات لأن فيها واحدا واثنين وثلاثة وأربعة ومجموع ذلك عشرة ، واختار الموسم لأنه مجمع الناس من الآفاق ، وفيه جواز التربص بوفاء الدين إذا لم تكن التركة نقدا ولم يختر صاحب الدين إلا النقد ، وفيه جواز الوصية للأحفاد إذا كان من يحجبهم من الآباء موجودا ، وفيه أن الاستدانة لا تكره لمن كان قادرا على الوفاء ، وفيه جواز شراء الوارث من التركة ، وأن الهبة لا تملك إلا بالقبض ، وأن ذلك لا يخرج المال عن ملك الأول لأن ابن جعفر عرض على ابن الزبير أن يحللهم من دينه الذي كان على الزبير فامتنع ابن الزبير .
 وفيه بيان جود ابن جعفر لسماحته بهذا المال العظيم ، وأن من عرض على شخص أن يهبه شيئا فامتنع أن الواهب لا يعد راجعا في هبته ، وأما امتناع ابن الزبير فهو محمول على أن بقية الورثة وافقوه على ذلك وعلم أن غير البالغين ينفذون له ذلك إذا بلغوا ، وأجاب ابن بطال بأن هذا ليس من الأمر المحكوم به عند التشاح ، وإنما يؤمر به في شرف النفوس ومحاسن الأخلاق ا ه .
 
 
والذي يظهر أن ابن الزبير تحمل بالدين كله على ذمته والتزم وفاءه ورضي الباقون بذلك كما تقدمت الإشارة إليه قريبا ، لأنهم لو لم يرضوا لم يفدهم ترك بعض أصحاب الدين دينه لنقص الموجود في تلك الحالة عن الوفاء لظهور قلته وعظم كثرة الدين ، وفيه مبالغة الزبير في الإحسان لأصدقائه لأنه رضي أن يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم ، ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم ، ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية بأن كان يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه إليها غالبا ، وإنما ينقلها من اليد للذمة مبالغة في حفظها لهم .
 وفي قول ابن بطال المتقدم كان يفعل ذلك " ليطيب له ربح ذلك المال " نظرا لأنه يتوقف على ثبوت أنه كان يتصرف فيه بالتجارة وأن كثرة ماله إنما زادت بالتجارة ، والذي يظهر خلاف ذلك ، لأنه لو كان كذلك لكان الذي خلفه حال موته يفي بالدين ويزيد عليه ، والواقع أنه كان دون الديون بكثير إلا أن الله تعالى بارك فيه بأن ألقى في قلب من أراد شراء العقار الذي خلفه الرغبة في شرائه حتى زاد على قيمته أضعافا مضاعفة ، ثم سرت تلك البركة إلى عبد الله بن جعفر لما ظهر منه في هذه القصة من مكارم الأخلاق حتى ربح في نصيبه من الأرض ما أربحه معاوية .
 وفيه أن لا كراهة في الاستكثار من الزوجات والخدم .
 وقال ابن الجوزي : فيه رد على من كره جمع الأموال الكثيرة من جهلة المتزهدين ، وتعقب بأن هذا الكلام لا يناسب مقامه من حيث كونه لهجا بالوعظ ، فإن من شأن الواعظ التحريض على الزهد في الدنيا والتقلل منها ، وكون مثل هذا لا يكره للزبير وأنظاره لا يطرد .
 وفيه بركة العقار والأرض لما فيه من النفع العاجل والآجل بغير كثير تعب ولا دخول في مكروه كاللغو الواقع في البيع والشراء ، وفيه إطلاق اللفظ المشترك لمن يظن به معرفة المراد ، والاستفهام لمن لم يتبين له ، لأن الزبير قال لابنه " استعن عليه مولاي " والمولى لفظ مشترك فجوز ابن الزبير أن يكون أراد بعض عتقائه مثلا فاستفهمه فعرف حينئذ مراده ، وفيه منزلة الزبير عند نفسه ، وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والإقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به ، ودل ذلك على أنه كان في نفسه محقا مصيبا في القتال ولذلك قال : إن أكبر همه دينه ، ولو كان يعتقد أنه غير مصيب أو أنه آثم باجتهاده ذلك لكان اهتمامه بما هو فيه من أمر القتال أشد ، ويحتمل أن يكون اعتمد على أن المجتهد يؤجر على اجتهاده ولو أخطأ .
 وفيه شدة أمر الدين ، لأن مثل الزبير مع ما سبق له من السوابق وثبت له من المناقب رهب من وجوه مطالبة من له في جهته حق بعد الموت .
 وفيه استعمال التجوز في كثير من الكلام كما تقدم ، وقد وقع ذلك أيضا في قوله " أربع سنين في المواسم " لأنه إن عد موسم سنة ست وثلاثين فلم يؤخر ذلك إلا ثلاث سنين ونصفا ، وإن لم يعده فقد أخر ذلك أربع سنين ونصفا ، ففيه إلغاء الكسر أو جبره .
 وفيه قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة ، وما سأله عبد الله بن جعفر من المحالة
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

No comments :

Post a Comment