Sunday, June 29, 2014

1305 - إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض . قيل : وما بركات الأرض ؟ قال : زهرة الدنيا . فقال له رجل : هل يأتي الخيربالشر ؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ينزل عليه ، ثم جعل يمسح عن جبينه ، فقال : أين السائل . قال : أنا . قال أبو سعيد : لقد حمدناه حين طلع لذلك . قال : لا يأتي الخير إلا بالخير ، إن هذا المال خضرة حلوة ، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم ، إلا آكلة الخضر ، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها ، استقبلت الشمس ، فاجترت وثلطت وبالت ، ثم عادت فأكلت . وإن هذا المال حلوة ، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ، صحيح البخاري

إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض .
قيل : وما بركات الأرض ؟ قال : زهرة الدنيا .
فقال له رجل : هل يأتي الخيربالشر ؟
فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ينزل عليه ، ثم جعل يمسح عن جبينه ،
فقال : أين السائل . قال : أنا .
قال أبو سعيد : لقد حمدناه حين طلع لذلك .
قال : لا يأتي الخير إلا بالخير ، إن هذا المال خضرة حلوة ، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم ، إلا آكلة الخضر ، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها ، استقبلت الشمس ، فاجترت وثلطت وبالت ، ثم عادت فأكلت . وإن هذا المال حلوة ، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6427 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 زهرة الدنيا: والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء
 هل يأتي الخيربالشر:  أي أتصير النعمة عقوبة ؟ لأن زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة ؟ وهو استفهام استرشاد لا إنكار والباء في قوله : بالشر " صلة لـ يأتي أي هل يستجلب الخير الشر ؟
أنه ينزل عليه ، ثم جعل يمسح عن جبينه: أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى إليه
لقد حمدناه حين طلع لذلك:  والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فظنوا أنه أغضبه ثم حمدوه آخرا لما رأوا مسألته سببا لاستفادة ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم
لا يأتي الخير إلا بالخير:  ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير إنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر
المال خضرة حلوة: ليس هو صفة المال وإنما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة أو التاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على معنى فائدة المال أي أن الحياة به أو العيشة أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها
يقتل حبطا أو يلم: الحبط انتفاخ البطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وروي بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب والأول المعتمد وقوله " يلم " بضم أوله أي يقرب من الهلاك
آكلة:  وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية وواحده خضرة
 امتلأت خاصرتاها: تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما جانبا البطن من الحيوان
أتت: اى جائت
اجترت: أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف فأعادت مضغه
وثلطت:  أي ألقت ما في بطنها ، والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمى بها فيسهل خروجه فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعا
 قال الأزهري هذا الحديث إذا فرق لم يكد يظهر معناه وفيه مثلان:
أحدهما للمفرط في جميع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها وهو ما تقدم أي الذي يقتل حبطا
 والثاني المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها وقال الزين بن المنير : آكلة الخضر هي بهيمة الأنعام التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره والخضر والنبات الأخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر منه ، وقيل هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه فإن الماشية تقتطف منه مثلا شيئا فشيئا ولا يصيبها منه ألم وهذا الأخير فيه نظر فإن سياق الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع إلا لمن وقعت منه المداومة حتى اندفع عنه ما يضره وليس المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر ألبتة والمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور لا كل من اتصف بأنه آكلة الخضر ولعل قائله وقعت له رواية فيها " يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر " ولم يذكر ما بعده فشرحه على ظاهر هذا الاختصار
ال الزين بن المنير : في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع .
وقال الغزالي : مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وإن أصابها الغبي فقد لقي البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا . وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة . وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله - تعالى - وإنه لحب الخير لشديد وفي قوله : - تعالى - إن ترك خيرا .
وفيه ضرب المثل بالحكمة وإن وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسأل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد ابن دريد هذا الحديث وهو قوله إن مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق - صلى الله عليه وسلم - إلى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه .
ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي " وإن جبينه ليتفصد عرقا " وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر .
والعجب أن النووي قال فيه حجة لمن رجح الغني على الفقير وكان قبل ذلك شرح قوله " لا يأتي الخير إلا بالخير " على أن المراد أن الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير لكن هذه الزهرة ليست خيرا حقيقيا لما فيها من الفتنة والمنافسة والاشتغال عن كمال الإقبال على الآخرة . قلت فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغنى والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين .
وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل . وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه ، وأن اكتساب المال من غير حله وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال - تعالى - يمحق الله الربا ويربي الصدقات
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment