Saturday, June 28, 2014

1300 - حديث الشفاعة

انطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفعنا بثابت . فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى . فاستأذن لنا ثابت . فدخلنا عليه . وأجلس ثابتا معه على سريره .
فقال له : يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة .
قال : حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض .
فيأتون آدم فيقولون له : اشفع لذريتك . فيقول : لست لها . ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام . فإنه خليل الله .
فيأتون إبراهيم . فيقول : لست لها . ولكن عليكم بموسى عليه السلام . فإنه كليم الله .
فيؤتي موسى فيقول : لست لها . ولكن عليكم بعيسى عليه السلام . فإنه روح الله وكلمته .
فيؤتي عيسى . فيقول : لست لها . ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
فأوتي فأقول : أنا لها . فأنطلق فأستأذن على ربي . فيؤذن لي .
 فأقوم بين يديه . فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن . يلهمينه الله . ثم أخر له ساجدا .
فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك . وقل يسمع لك . وسل تعطه . واشفع تشفع .
فأقول : رب أمتي . أمتي .
فيقال : انطلق . فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها .
فأنطلق فأفعل . ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا .
فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك . وقل يسمع لك . وسل تعطه . واشفع تشفع .
فأقول : أمتي . أمتي .
فيقال لي : فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها .
فأنطلق فأفعل . ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد . ثم أخر له ساجدا .
فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك . وسل تعطه . واشفع تشفع
فأقول : يا رب أمتي . أمتي .
فيقال لي : انطلق . فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار . فأنطلق فأفعل .
هذا حديث أنس الذي أنبأنا به . فخرجنا من عنده . فلما كنا بظهر الجبان قلنا : لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه ، وهو مستخف في دار خليفة . قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه . فقلنا : يا أبا سعيد ! جئنا من عند أخيك أبي حمزة . فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة . قال : هيه ! فحدثناه الحديث . فقال : هيه ! قلنا : ما زادنا . قال : قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا . قلنا له : حدثنا . فضحك وقال : خلق الإنسان من عجل . ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه . " ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد . ثم أخر له ساجدا . فيقال لي : يا محمد ! ارفع رأسك . وقل يسمع لك . وسل تعط . واشفع تشفع . فأقول : يا رب ! ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله . قال : ليس ذاك لك ( أو قال ليس ذاك إليك ) ولكن ، وعزتي ! وكبريائي ! وعظمتي ! وجبريائي ! لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " . ، صحيح مسلم
------------------------------------------------
الراوي: أنس بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 193 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
وذهبنا معنا بثابت البناني: العلة في ذلك، أن ثابتا البناني كان من خواص أنس -رضي الله عنه-، فيستفاد منه أن الإنسان إذا أراد أن يكلم عالما أو غيره في مسألة أو غيرها، أن يذهب ومعه أحد من خواص هذا العالم؛ ليكون هذا أدعى إلى قبول العالم منه، وأدعى إلى انشراح صدره
فإذا هو في قصره: أي في بستان له خارج البصرة وكأنه خرج -رضي الله عنه- إلى البصرة لكثرة أولاده؛ لأنه -رضي الله عنه- أدرك من أولاده وأولاد أولاده ما يقارب المائة، وذلك ببركة دعوى النبي - صلى الله عليه وسلم - له
فأذن لنا، وهو قاعد على فراشه: بسبب كبر سنه، رضي الله عنه
لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة: أي أنهم قالوا لثابت أول شيء تسأل عنه أنس -رضي الله عنه- حديث الشفاعة لأهميته عندهم
يا أبا حمزة: القائل هو ثابت البناني وأبو حمزة هذه كنية أنس رضي الله عنه
ماج الناس في بعض: وذلك من شدة الهول والكرب، والموج هو الحركة والاختلاط؛ لأن الأمر شديد حيث تدنو الشمس من الرؤوس، فيموج الناس بعضهم إلى بعض، وفي الحديث الآخر: (فيطلبون من يشفع لهم) وكأن المراد بهؤلاء المؤمنون، كما جاء في حديث آخر (فيأتي المؤمنون) لأن الكفار مشغولون بما هم فيه من الشدة والكرب العظيم، والمؤمنون أصابهم كرب لكنه أقل من الكفار
قوله: (فيأتون إبراهيم ) الحديث فيه اختصار؛ لأنه في اللفظ الآخر (فيأتون نوحًا عليه السلام) وفيه أن كل نبي يقول: (لست لها) أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: (أنا لها) وفي لفظ آخر أن كل نبي يقول:  إن ربي غضب اليوم غضبًا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله   وفي الحديث الآخر أن آدم يعتذر بأنه أكل من الشجرة   وهو قد تاب منها، لكن الموقف موقف عظيم  ونوح يعتذر بأنه دعا على أهل الأرض دعوة أغرقتهم، وإبراهيم يعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات اثنتان منهن في ذات الله، وموسى يعتذر بأنه قتل نفسًا بغير حق   وذلك قبل النبوة  وعيسى لا يذكر ذنبًا، إلا أنه يقول: إن الناس اتخذوه وأمه إلهين من دون الله  
فيلهمني ربي محامد أحمده بها، لا تحضرني الآن: يفتح الله عليه في ذلك الموقف محامد، لا يحسنها الآن.
 تكون هذه المحامد مقدمات للشفعة، حتى يشفعه الله
يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع: هذا هو الإذن من الله -عز وجل-، فلا أحد يشفع إلا بالإذن حتى نبينا الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الخلق لا يشفع إلا بالإذن من الله -تعالى- وهو الله - صلى الله عليه وسلم - لا يبدأ بالشفاعة أولا، إنما يحمد الله، ثم يخر له ساجدا، ثم يأتيه الإذن بثلاثة أوامر من الله، سبحانه وتعالى
يا محمد ارفع رأسك: أي من السجود
وقل يسمع: أي: يسمع لقولك
واشفع تشفع: وهذه منقبة عظيمة للنبي الله - صلى الله عليه وسلم
فأقول: يا رب أمتي أمتي: هنا سؤال وهو أنه في أول الحديث ذكر الشفاعة العظمة، وهي الشفاعة لإراحة الناس من موقف يوم القيامة، وهو المقام المحمود، ثم بعد ذلك ذكر الشفاعة في إخراج العصاة من النار؟ والجواب أن في هذا اختصارًا، كما ذكرنا من قبل، وهو أن العلماء حينما يسوقون الحديث يأتون بما فيه رد على الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا إخراج العصاة من النار، أما الشفاعة العظمى، فلا ينكرونها، فيذكرون أول الحديث ويذكرون آخره، ويتركون ذكر الشفاعة العظمى وتفاصيلها؛ لأنها معلومة؛ ولأنه لا خلاف فيها بين أهل البدع من المعتزلة والجهمية والأشاعرة إنما يأتون بما فيه الرد على أهل البدع من إنكار إخراج العصاة من النار.
فالخوارج والمعتزلة ينكرون إخراج العصاة من النار، ويقولون: لا يمكن أن يخرج أحد من النار بعد دخولها، ويحكمون على العصاة بأنهم مخلدون في النار؛ لأنهم يكفرونهم بالمعاصي، فيقولون: من دخل أحد الدارين لا يخرج منها، فمن دخل الجنة لا يخرج منها، ومن دخل النار لا يخرج منها، فهذا فيه الرد عليهم
فأنطلق فأفعل: فيه أن أنسا -رضي الله عنه- حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع ثلاث شفاعات في أهل النار، وهذه الشفاعات غير الشفاعة العظمى؛ لأن الشفاعة العظمى خاصة في الموقف، لكن هذه الشفاعات بعد دخول العصاة في النار، فيشفع فيهم الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث شفاعات، فيشفعه الله
ففي المرة الأولى يقول: (أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان) أي: مقدار حبة شعيرة من إيمان
وفي المرة الثانية يشفع فيقول الله -تبارك وتعالى-: (أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة، أو خردلة من إيمان)
وفي المرة الثالثة يشفع فيقول الله -تعالى- له: (أخرج من كان في قلبه مثقال أدنى، أدنى حبة من إيمان) فهذه ثلاث مرات
ووقف أنس -رضي الله عنه- عند هذا، وسيأتي بعد ذلك الشفاعة الرابعة، وكأن أنسًا -رضي الله عنه- نسيها. قوله: فلما خرجنا من عند أنس قلت لأصحابي...) القائل هو معبد بن هلال العنزي راوي الحديث
قوله: (لو مررنا بالحسن وهو متوارٍ في منزل أبي خليفة ) المقصود الحسن البصري -رحمه الله- من كبار التابعين ومن أصحاب أنس -رضي الله عنه-، وكان الحسن مختفيًا في دار أبي خليفة من الحجاج بن يوسف وذلك بسبب ظلمه وجبروته
 (فحدثناه بما حدثنا به أنس ) أي: أن معبدا العنزي يقول: حدثنا الحسن بما حدثناه أنس لننظر ما عنده؛ لأن الحسن صاحب لأنس وروى عنه كثيرًا
قوله: (فقلنا: يا أبا سعيد ) هي كنية الحسن البصري
قوله: (هيه) هذا للاستزادة، والمعنى: هاتوا ما عندكم مما حدثكم به أنس رضي الله عنه
قوله: (فقلنا: لم يزد لنا على هذا) أي: لما وصلوا إلى قوله: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شفع ثلاث شفاعات، قال: (هيه) أي: هاتوا ما عندكم، فقالوا: (لم يزد لنا) أي: أن أنسًا وقف عند هذا
قوله: (لقد حدثني منذ عشرين سنة... فلا أدري أنسي أم خاف أن تتكلوا) يقول الحسن إن أنسًا حدثه منذ عشرين سنة بهذا الحديث، وهو جميع، أي: مجتمع القوى، في وقت قوته ونشاطه
(فلا أدري أنسي) لكبر سنه، أم خاف أن تتكلوا) فاقتصر على ما حدثكم، ولم يذكر الشفاعة الرابعة، حتى لا تعتمدوا على رحمه الله
قوله: (ثم أعود الرابعة، فأحمده بتلك) هذه المرة الرابعة التي أسقطها أنس -رضي الله عنه-، فيشفع نبينا الله - صلى الله عليه وسلم - أربع شفاعات في العصاة
 قوله: (يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله) أي: من كان معه التوحيد، وهذا مثل قوله في الحديث الآخر:  فيخرج من النار قوم لم يعملوا خيرًا قط   أي: زيادة على التوحيد والإيمان، ومعنى الحديث من قال: لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق، ولم يقع في عمله شرك؛ لأنه لا بد من إخلاص التعلق والتأله بالله -عز وجل-، وليس المراد أن يقولها بلسانه فقط. والدليل على ما ذكرنا، وهو أن المشرك لا تنفعه الشفاعة، ولا تصل إليه،
قوله -تعالى-:  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ   
وقوله سبحانه:  إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ   
وقوله:  وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ   
فالكافر ليس له شفاعة، ولا يخرج من النار،
قال -تعالى-: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ   وقال  كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ   
فدل على أن الشفاعة الرابعة فيمن معه أصل التوحيد فقط، أما الذين قبله فمعهم مع التوحيد شيء من الإيمان والأعمال الصالحة، فالأول معه مقدار شعيرة من إيمان، والثاني معه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، والثالث معه أدنى، أدنى شيء من إيمان، والرابع ليس معه إلا التوحيد والإيمان فقط
ولا يضيع عند الله -تعالى- شيء قال سبحانه:  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ   
قوله: (وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي) هذا في إثبات العزة والكبرياء والعظمة والجلال لله -تعالى-، وهي من صفات الله -عز وجل- كما يليق بالله وعظمته،
قال -تعالى- عن إبليس:  فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ   
وفي الحديث الآخر:  العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته  
فهذا الحديث، فيه فضل نبينا الله - صلى الله عليه وسلم - حيث خصه الله -تعالى- بالشفاعة العظمى يوم القيامة، وفيه الرد على الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا الشفاعة في العصاة لإخراجهم من النار
-----------------------------------
من شرح الحديث للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment