Tuesday, February 4, 2014

971 - معجزة النبى صلى الله عليه و سلم مع اهل الصفة

 
أن أبا هريرة كان يقول : آلله الذي لا إله إلا هو ، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، 
ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، 
ثم مر بي عمر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، 
ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ، فتبسم حين رآني ، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : يا أبا هر . 
قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق . 
ومضى فاتبعته ، فدخل ، فأستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فوجد لبنا في قدح ، فقال : من أين هذا اللبن. قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ، قال : أبا هر .
قلت : لبيك يا رسول الله ، 
قال : الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي . 
 وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، 
فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاء أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، 
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ، 
فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ،
قال : يا أبا هر . قلت : لبيك يا رسول الله ، 
قال : خذ فأعطهم . 
فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، 
فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، 
حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ، 
فأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم ، فقال : أبا هر . قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : بقيت أنا وأنت . قلت : صدقت يا رسول الله ، 
قال : اقعد فاشرب . فقعدت فشربت ، 
فقال : اشرب . فشربت ، 
فما زال يقول : اشرب . حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ، 
قال : فأرني . فأعطيته القدح ، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6452 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
آلله الذي لا إله إلا هو: اى يقسم بالله
 
إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع:  قال العلماء فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لأن فيه الإشارة إلى كسر النفس وقال الخطابي أشكل الأمر في شد الحجر على البطن من الجوع على قوم فتوهموا أنه تصحيف وزعموا أنه الحجز بضم أوله وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة التي يشد بها الوسط قال ومن أقام بالحجاز وعرف عادتهم عرف أن الحجر واحد الحجارة وذلك أن المجاعة تعتريهم كثيرا فإذا خوى بطنه لم يمكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف أو أكبر فيربطها على بطن وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال والاعتماد بالكبد على الأرض مما يقارب ذلك
 
ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه: الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة
 
 فمر أبو بكر فسألته عن آية ما سألته إلا ليشبعني: أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني
 
 فمر ولم يفعل: أي الإشباع أو الاستتباع
 
حتى مر بي عمر: يشير إلى أنه استمر في مكانه بعد ذهاب أبي بكر إلى أن مر عمر ووقع في قصة عمر من الاختلاف في قوله : ليشبعني " نظير ما وقع في التي قبلها وزاد في رواية أبي حازم " فدخل داره وفتحها علي " أي قرأ الذي استفهمته عنه ولعل العذر لكل من أبي بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذاك ما يطعمانه
 
فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي: استدل أبو هريرة بتبسمه - صلى الله عليه وسلم - على أنه عرف ما به ; لأن التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوي الحمل على الثاني
 
 وما في وجهي: كأنه عرف من حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه
 
الحق: أي اتبع
 
أهل الصفة: هم من فقراء المسلمين فى المدينة ، و يعتبروا من أضياف الإسلام ، فليس لهم اهل و لا مال ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخصهم بما يأتيه من الصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية
فكان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره
 
أمرني: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فكنت أنا أعطيهم وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخدمه
ووقع في رواية يونس بن بكير فسيأمرني أن أديره عليهم فما عسى أن يصيبني منه وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني أي عن جوع ذلك اليوم
 
وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن: أي يصل إلي بعد أن يكتفوا منه
 
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد:  قال الكرماني : ظاهره أن الإتيان والدعوة وقع بعد الإعطاء وليس كذلك ثم أجاب بأن معنى قوله " فكنت أنا أعطيهم " عطف على جواب " فإذا جاءوا " فهو بمعنى الاستقبال
 
خذ فأعطهم: أي القدح الذي فيه اللبن
 
حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم: أي فأعطيته القدح
 
فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم: كأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شيء كما تقدم تقريره فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شيء
 
بقيت أنا وأنت: كأن ذلك بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان اللبن الذي في ذلك القدح نصيب النبي - صلى الله عليه وسلم -
 
فحمد الله وسمى: أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روي القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب
 
وشرب الفضلة: أي البقية
وفيه إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي في البيت إن كان
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم:
استحباب الشرب من قعود
وأن خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الإناء من كل واحد فيدفعه هو إلى الذي يليه ولا يدع الرجل يناول رفيقه لما في ذلك من نوع امتهان الضيف
وفيه معجزة عظيمة وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته - صلى الله عليه وسلم - .
وفيه جواز الشبع ولو بلغ أقصى غايته أخذا من قول أبي هريرة " لا أجد له مسلكا " وتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك خلافا لمن قال بتحريمه وإذا كان ذلك في اللبن مع رقته ونفوذه فكيف بما فوقه من الأغذية الكثيفة لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بما وقع في تلك الحال فلا يقاس عليه
وفيه أن كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها والتصريح بها .
وفيه كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيثاره على نفسه وأهله وخادمه .
وفيه ما كان بعض الصحابة عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضيق الحال وفضل أبي هريرة وتعففه عن التصريح بالسؤال واكتفاؤه بالإشارة إلى ذلك وتقديمه طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على حظ نفسه مع شدة احتياجه وفضل أهل الصفة .
وفيه أن المدعو إذا وصل إلى دار الداعي لا يدخل بغير استئذان وقد تقدم البحث فيه في كتاب الاستئذان مع الكلام على حديث رسول الرجل إذنه .
وفيه جلوس كل أحد في المكان اللائق به .
وفيه إشعار بملازمة أبي بكر وعمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -
ودعاء الكبير خادمه بالكنية
وفيه ترخيم الاسم على ما تقدم
والعمل بالفراسة
وجواب المنادى بلبيك
واستئذان الخادم على مخدومه إذا دخل منزله
وسؤال الرجل عما يجده في منزله مما لا عهد له به ليرتب على ذلك مقتضاه
وقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية وتناوله منها وإيثاره ببعضها الفقراء وامتناعه من تناول الصدقة ووضعه لها فيمن يستحقها
وشرب الساقي آخرا وشرب صاحب المنزل بعده
والحمد على النعم والتسمية عند الشرب
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

No comments :

Post a Comment