Monday, February 3, 2014

969 - صور من عذاب النار ، اعاذنا الله و اياكم منها

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحد منكم من رؤيا .
فيقص عليه من شاء الله أن يقص ،
وإنه قال ذات غداة : إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ،
وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ، فيتدهده الحجر ها هنا ، فيتبع الحجر فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى ،
قلت لهما : سبحان الله ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه - وربما قال أبو رجاء : فيشق - ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى ،
قلت : سبحان الله ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على مثل التنور - قال : وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ،
قلت لهما : ما هؤلاء ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة ، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا ،
قلت لهما : ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على رجل كريه المرآة ، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة ، فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها ،
قلت لهما : ما هذا ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على روضة معتمة ، فيها من كل لون الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل ، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ،
قلت لهما : ما هذا ما هؤلاء ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا
فانتهينا إلى روضة عظيمة ، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن ،
قالا لي : ارق فيها ، فارتقينا فيها ،
فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها ، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ،
قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ،
قالا لي : هذه جنة عدن وهذاك منزلك ، فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء ،
قالا لي : هذاك منزلك ،
قلت لهما : بارك الله فيكما ذراني فأدخله ،
قالا : أما الآن فلا ، وأنت داخله ،
قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟
قالا لي : أما إنا سنخبرك ،
أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ،
وأما الرجل الذي أتيت عليه ، يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ،
وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني ،
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا ،
وأما الرجل الكريه المرآة ، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم ،
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة .
فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين ،
وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح ، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، تجاوز الله عنهم ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: سمرة بن جندب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7047 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
آتيان: في رواية هوذة عن عوف عند ابن أبي شيبة " اثنان أو آتيان " بالشك وفي رواية جرير " رأيت رجلين أتياني " ، وفي حديث علي " رأيت ملكين " وسيأتي في آخر الحديث أنهما " جبريل وميكائيل "
ابتعثاني: اى أرسلاني ، وقال ابن هبيرة : معنى ابتعثاني : أيقظاني ، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ووصفه بعد أن أفاق على أن منامه كاليقظة ، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما
 وإنا أتينا على رجل مضطجع: في رواية جرير " مستلق على قفاه "
وإذا آخر قائم عليه بصخرة: في رواية جرير " بفهر أو صخرة " ، وفي حديث علي " فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي "
يهوي:  يقال هوى بالفتح يهوي هويا سقط إلى أسفل
فيثلغ: أي يشدخه والشدخ كسر الشيء الأجوف
فيتدهده الحجر: اى تدحرج ، والمراد أنه دفعه من علو إلى أسفل ، وتدهده إذا انحط
فيشرشر شدقه إلى قفاه: أي يقطعه شقا ، والشدق جانب الفم
 ثم يتحول إلى الجانب الآخر إلخ: اختصره في رواية جرير بن حازم ولفظه : " ثم يخرجه ، فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به "
قال ابن العربي : شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية ، وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا . ووقعت هذه القصة مقدمة في رواية جرير على قصة الذي يشدخ رأسه .
قال الكرماني : الواو لا ترتب ، والاختلاف في كونه مستلقيا وفي الأخرى مضطجعا والآخر كان جالسا وفي الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما
التنور: اى كالفرن ، أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نارا
ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة ، و الضوضاة أصوات الناس ولغطه
سابح يسبح: أي يعوم
فيفغر: أي يفتحه
كريه المرآة: اى قبيح المنظر
 كأكره ما أنت راء رجلا مرآة:أي كأفبح ما قد ترى من الرجال
يحشها:
قال الجوهري : حششت النار أحشها حشا أوقدتها ،
وقال في التهذيب : حششت النار بالحطب ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار ،
وقال ابن العربي : حش ناره حركها
فأتينا على روضة معتمة:  يقال : أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة : طويلة ، وقال الداودي أعتمت الروضة : غطاها الخصب
قال ابن التين : ولا يظهر للتخفيف وجه ، قلت : الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى : مدهامتان وضبط ابن بطال روضة مغنمة بكسر الغين المعجمة وتشديد النون ، ثم نقل عن ابن دريد : واد أغن ومغن إذا كثر شجره ، وقال الخليل : روضة غناء كثيرة العشب ، وفي رواية جرير بن حازم " روضة خضراء وإذا فيها شجرة عظيمة "
وإذا بين ظهري الروضة: والمراد وسطها
مبنية بلبن ذهب ولبن فضة: اللبن بفتح ، اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين
شطر من خلقهم:  بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف أي هيئتهم
 يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله ، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح ، والثاني هو المراد ، ويؤيده قولهم في صفته " هؤلاء قوم خلطوا " أي عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه . بعمل سيئ
فقعوا في ذلك النهر: بصيغة فعل الأمر بالوقوع ، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص
نهر معترض: أي يجري عرضا
كأن ماءه المحض: بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا
 قال الطيبي كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل في كل صاف قال : ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما في الحديث " اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد "
ذهب ذلك السوء عنهم: أي صار القبيح كالشطر الحسن ، فذلك قال : وصاروا في أحسن صورة
قالا لي هذه جنة عدن: يعني المدينة
فسما: بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي نظر إلى فوق
الربابة:  وهي السحابة البيضاء ، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء ،
وقال الخطابي : الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض
ذراني فأدخله ، قالا : أما الآن فلا وأنت داخله: اى دعاني أدخل منزلي ، قالا : أنه بقي لك عمر لم تستكمله ، ولو استكملته أتيت منزلك
فيرفضه: قال ابن هبيرة : رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس
يغدو من بيته: أي يخرج منه مبكرا
فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق: قال ابن هبيرة : لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة
فهم الزناة: مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى
فإنه آكل الربا: قال ابن هبيرة إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر ، وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه محقه
خازن جهنم: إنما كان كريه الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم: وإنما اختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين ، قال تعالى : ملة أبيكم إبراهيم وقال تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية
وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة
وأولاد المشركين: ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله : هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا
في هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى .
وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ .
وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن ، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة ، وعن رفض القرآن لمن يحفظه ، وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب ، وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات ، حتى النبي والشهيد .
وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك .
وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل ، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم - عليه السلام - لاحتمال أن إقامته . هناك بسبب كفالته الولدان ، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء كما تقدم في الإسراء أنه رأى آدم في السماء الدنيا ، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر فيضحك ويبكي مع أن منزلته هو في عليين ، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته .
وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم ، اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا .
وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم .
وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب ، قال الكرماني : مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة ففيها خفاء ، وبيانه أن العري فضيحة كالزنا ، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ، ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار ، وقال أيضا : الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو  الفعل ، فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال ، والثاني إما بدني وإما مالي فذكر لكل منهم مثالا ينبه به على من عداه ، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم أربع درجات ؛ درجات النبي ، ودرجات الأمة
أعلاها الشهداء ،
وثانيها من بلغ ،
وثالثها من كان دون البلوغ
و الله تعالى اعلم
للمزيد

No comments :

Post a Comment