Tuesday, February 4, 2014

972 - قصة ابو سفيان و هرقل ملك الروم

 
أن أبا سفيان بن حرب أخبره : أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ، فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه .
 ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب .
 قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قلت : لا .
 قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا .
 قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم .
 قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون .
 قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا .
 قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا .
 قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها .
 قال : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة .
 قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم .
 قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه .
 قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
 فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
 وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله .
 وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت رجل يطلب ملك أبيه .
 وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .
 وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم .
 وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
 وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
 وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ، لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
 ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر .
 فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام .
 وكان ابن الناطور ، صاحب إيلياء وهرقل ، أسقفا على نصارى الشأم ، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء ، أصبح يوما خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئتك ، قال ابن الناطور : وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر ، فمن يختتن من هذه الأمة ؟ قالوا : ليس يختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مداين ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينما هم على أمرهم ، أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استخبره هرقل قال : أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ فنظروا إليه ، فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب ، فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر .
 ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق راي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم ، وأيس من الإيمان ، قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: أبو سفيان بن حرب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
في أوائل سبع من الهجرة كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتبا إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل والعشائر يدعوهم في هذه الكتب إلى الله تعالى وإلى الإسلام.
 
كتب إلى كسرى ملك الفرس فمزق الكتاب فقال صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: مزق الله ملكه كما مزق كتابي.
 
وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة فأحسن وفادة حامل الكتاب وظل كافرا مع أن أباه النجاشي كان قد أسلم وكان قد آوى المهاجرين إلى الحبشة وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأصدقها عنه ولما مات صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وكتب إلى هوذة بن علي حاكم اليمامة والمنذر بن ساوى حاكم هجر وجيفر وعباد ابني الجلندي بعمان وابن أبي شمر الغساني وإلى مسيلمة وإلى المقوقس.
 
وعلى رأس هؤلاء وهذه الكتب كتاب هرقل وهو ما يحدثنا عنه في هذا الحديث أبو سفيان بن حرب الذي أسلم يوم فتح مكة وكان في زمن كتاب هرقل هذا زعيم مشركي مكة وقائد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
يقول أبو سفيان: في أوائل سريان الهدنة بين قريش وبين محمد صلى الله عليه وسلم المنصوص عليها في صلح الحديبية انطلقت على رأس نفر من قريش إلى الشام تجارا وبينما نحن في سوق الشام نتاجر إذ هجم علينا شرطة هرقل أنتم من مكة؟ قلنا نعم أنتم من قريش؟ قلنا: نعم أنتم تعرفون محمد بن عبد الله الذي يدعي أنه نبي؟ قلنا: نعم قالوا: هيا معنا إلى هرقل وساقونا جميعا نحوا من ثلاثين رجلا قلنا لهم ما الخبر؟ قالوا: إن هرقل جاءه كتاب من محمد الذي يدعي أنه نبي سلمه إليه حاكم بصرى إحدى مدن مملكة هرقل بعد أن سلمه إياه عربي مسلم يدعي دحية الكلبي ليوصله إلى هرقل فلما قرأ هرقل كتاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا كتاب خطير يهتم به كل الاهتمام ثم جمع حاشيته وخواصه وقال لهم: هل هنا في الشام في حمص هذه عاصمة ملكي أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم إن الكثيرين منهم في سوق المدينة فنادى رئيس شرطته وبلهجة الحزم والشدة قال له: قلب المدينة ظهرا لبطن حتى تأتيني برجل أو رجال من قوم هذا الذي يدعي أنه نبي بحثنا عنكم حتى وجدناكم فهيا إلى القصر فلما علم بوصولنا دعانا إلى مجلسه فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج المرصع باللؤلؤ والجواهر وحوله عظماء الروم وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان وبين يديه حراس مدججون بالسلاح منظرهم يثير الرعب والرهبة فأمر بنا أن نجلس أمامه بين يديه فجلسنا على فراش الأرض فدعا بترجمانه وطلب منه أن يسألنا: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم إليه نسبا قال: ما قرابتك منه؟ قلت: هو ابن عمي قال: اقترب وأجلسوني وحدي بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي عند ظهري يا لهذا الداهية؟ إنه يخص الأقرب نسبا بالأسئلة لأنه الأكثر إطلاعا على أموره ظاهرا وباطنا ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه يا لهذا الداهية؟ أنه أجلسه وحده بين يديه وأجلس أصحابه خلفه لئلا يستحيوا منه إذ يكذبونه إن كذب لأن المواجهة بالتكذيب وبتكذيب السيد الكبير صعبة محرجة فكونهم خلفه يجعل تكذيبهم له أهون عليه.
 
ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يدعي أنه نبي والسؤال في الحقيقة موجه إليكم جميعا فإن كذبني فكذبوه وإن أخطأ فصوبوه وأصدقوني القول ولا تخفوا علي شيئا من الأمر يقول أبو سفيان: وكنت في داخلي أتمنى أن أسيء إلى محمد ولو كذبا ولكني كنت أخاف أن يمسك على قومي كذبا فأظل في نظرهم بعد عودتنا كذابا والكذب عند العرب لا يليق بكرام الرجال فضلا عن رؤسائهم إنني لا أخاف من أصحابي أن يكذبوني أمام هرقل فأنا واثق من عدم تكذيبهم لي لو كذبت لمقامي عندهم ولاشتراكهم معي في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فوالله لو كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب وأخشى أن يأخذ على رفقائي كذبا وسألني هرقل:
 
هذا الذي يزعم أنه نبي كيف حسبه فيكم؟ أهو من أشرافكم؟ ومن ذوي الأصل فيكم؟
 
قال أبو سفيان قلت: هو صاحب حسب كبير فينا.
 
سأل هرقل عن طريق الترجمان: هل كان من آبائه ملك؟ قال أبو سفيان: لا لم يكن من آبائه من ملك.
 
سأل هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ أجاب أبو سفيان: لا.
 
سأل هرقل: ومن الذين يتبعونه؟ أشراف الناس؟ أم ضعفاؤهم؟ أجاب أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.
 
سأل هرقل: أيزيدون؟ أم ينقصون؟ أجاب أبو سفيان: بل يزيدون.
 
سأل هرقل: هل يرتد أحد منهم عن دينه؟ ساخطا عليه بعد أن يدخله؟ أجاب أبو سفيان: لا.
 
سأل هرقل: هل قاتلتموه؟ أجاب أبو سفيان: نعم.
 
سأل هرقل: كيف كان قتالكم إياه؟ يغلبكم؟ أم تغلبونه؟ أجاب أبو سفيان: تارة يغلبنا وتارة نغلبه فالحرب بيننا وبينه نوبا نوبة له ونوبة لنا غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب وغزوته في بيته فبقرنا البطون وجدعنا الآذان.
 
سأل هرقل: فهل يغدر بكم إذا عاهد؟ قال أبو سفيان: لا وأراد أبو سفيان أن ينال من محمد صلى الله عليه وسلم فلم يجد إلا أن يشكك في وفائه بالعهد فقال: وبيننا وبينه عهد لا ندري أيغدر بنا؟ أم يفي؟.
 
سأل هرقل: هل ادعى أحد منكم قبله مثل ما يدعي؟ قال: لا.
 
وهنا بدأ هرقل يعلن لهم هدفه من الأسئلة واستنتاجاته من الإجابات فقال:
 
سألتك عن حسبه؟ فقلت: إنه فينا ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أفضل أنساب قومها.
 
وسألتك هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا فقلت: لو كان من آبائه ملك جاز أن يكون طالبا ملك آبائه وسألتك عن أتباعه الأشراف أم الضعفاء؟ فقلت: الضعفاء.
 
وهكذا أتباع الرسل لأن الأشراف يأنفون من تقدم مثلهم عليهم والضعفاء لا يأنفون فيسرعون للانقياد واتباع الحق وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟ فقلت: لا فعرفت أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله وسألتك: هل يرتد أحد منهم عن دينه الجديد ساخطا عليه بعد أن يدخله؟ فقلت: لا وكذلك الإيمان إذا خالط غشاء القلوب لا يزول عنه وسألتك هل قاتلتموه؟ وكيف كانت نتيجة قتالكم إياه؟ فقلت: إن الحرب بينكم وبينه سجالا وهكذا الرسل يبتلون بالهزيمة ثم تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدر بكم؟ فقلت: لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك: هل قال هذا القول أحد معاصر قبله؟ فقلت: لا قلت: لو قال هذا القول أحد قبله قلت: رجل يأتم بغيره ويقول ما يقولون ثم سألتك بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة والصدقة وصلة الأرحام والعفة وكذلك الرسل ولقد كنت أعلم أن نبيا سيرسل في آخر الزمان لكني كنت أتوقعه من بني إسرائيل وليس منكم أما اليوم فقد ظهر أنه من العرب لقد كنت أقرأ أوصافه التي ذكرت ففي التوراة نحو ما سمعت من علامات النبوة إن يكن ما قلته حقا فهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي سيملك أتباعه مكان قدمي وملكي ولو كنت أستطيع أن أصل إليه ماشيا لفعلت ولغسلت بيدي رجليه خضوعا له وتبركا به ولكني أخاف من قومي أن يقتلوني لقد كان لي صديق قسيس أسقف أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه إنني أخافهم ولولا ذلك لتكلفت المشي إليه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه القارئ وترجمه الترجمان وسمعه بالعربية أبو سفيان فسمع: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى "أما بعد" فإني أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم في الدنيا والآخرة أسلم يؤتك الله أجرك مرتين مرة على إيمانك بعيسى ومرة على إيمانك بمحمد عليهما الصلاة والسلام فإن توليت ورفضت ولم تسلم فإنما عليك إثمك وإثم أتباعك الذين يقتدون بك ويتبعونك في دينك ثم ختم الكتاب بالآية الكريمة قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون الله [آل عمران: 64].
 
ثم طوى الكتاب وبمظاهر التكريم حفظه وظهر عليه الميل نحو الإيمان فكثر اللغط في المجلس وارتفعت الأصوات باستنكار الكتاب واستنكار ما فيه فأمر هرقل بإخراج أبي سفيان وأصحابه فخرجوا فقال أبو سفيان لأصحابه لما خلا بهم إن أمر محمد سيعظم إن هرقل يخاف محمدا قال أبو سفيان: ودخلني الخوف من محمد وأيقنت أنه لا محالة ظاهر وغالب حتى أدخل الله في قلبي الإسلام فأسلمت عام الفتح بعد هذه الحادثة بسنتين.
 
هذا ما كان مع أبي سفيان وأما ما كان من شأن هرقل فقد غزا جيش كسرى بلاده ثم انهزم الفرس فمشى هرقل على قدميه من حمص إلى بيت المقدس شكرا لله تعالى وهو مازال في داخله يعالج أمر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويجاهد أن يؤمن ويعلن إسلامه مع الاحتفاظ بعرشه وملكه إنه كان يتمنى أن يسلم قومه الروم بل حاول أن يدعوهم إلى ذلك صريحا فقد روى البخاري أنه دعا زعماء الروم وعظماءهم إلى قصره وأغلق عليهم أبوابه ثم طلع عليهم من شرفة عالية فقال لهم: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد؟ وأن يثبت ملككم؟ بايعوا هذا النبي. فحاصوا حيصة حمر الوحش واتجهوا إلى الأبواب نفورا من هذه الدعوة ورفضا لها فوجدوا الأبواب مغلقة فأعادهم هرقل وهدأ من روعهم وغضبهم وقال لهم: إني قلت لكم ما قلت لأمتحن مدى تمسككم بدينكم فشكرا لكم على شدة تمسككم به فقد رأيت منكم ما سرني فسجدوا له ورضوا عنه.
 
واستمر هرقل مظاهرا الروم وأعد جيوشه ووجهها لحروب المسلمين
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 

971 - معجزة النبى صلى الله عليه و سلم مع اهل الصفة

 
أن أبا هريرة كان يقول : آلله الذي لا إله إلا هو ، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، 
ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، 
ثم مر بي عمر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، 
ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ، فتبسم حين رآني ، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : يا أبا هر . 
قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق . 
ومضى فاتبعته ، فدخل ، فأستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فوجد لبنا في قدح ، فقال : من أين هذا اللبن. قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ، قال : أبا هر .
قلت : لبيك يا رسول الله ، 
قال : الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي . 
 وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، 
فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاء أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، 
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ، 
فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ،
قال : يا أبا هر . قلت : لبيك يا رسول الله ، 
قال : خذ فأعطهم . 
فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، 
فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، 
حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ، 
فأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم ، فقال : أبا هر . قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : بقيت أنا وأنت . قلت : صدقت يا رسول الله ، 
قال : اقعد فاشرب . فقعدت فشربت ، 
فقال : اشرب . فشربت ، 
فما زال يقول : اشرب . حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ، 
قال : فأرني . فأعطيته القدح ، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6452 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
آلله الذي لا إله إلا هو: اى يقسم بالله
 
إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع:  قال العلماء فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لأن فيه الإشارة إلى كسر النفس وقال الخطابي أشكل الأمر في شد الحجر على البطن من الجوع على قوم فتوهموا أنه تصحيف وزعموا أنه الحجز بضم أوله وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة التي يشد بها الوسط قال ومن أقام بالحجاز وعرف عادتهم عرف أن الحجر واحد الحجارة وذلك أن المجاعة تعتريهم كثيرا فإذا خوى بطنه لم يمكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف أو أكبر فيربطها على بطن وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال والاعتماد بالكبد على الأرض مما يقارب ذلك
 
ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه: الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة
 
 فمر أبو بكر فسألته عن آية ما سألته إلا ليشبعني: أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني
 
 فمر ولم يفعل: أي الإشباع أو الاستتباع
 
حتى مر بي عمر: يشير إلى أنه استمر في مكانه بعد ذهاب أبي بكر إلى أن مر عمر ووقع في قصة عمر من الاختلاف في قوله : ليشبعني " نظير ما وقع في التي قبلها وزاد في رواية أبي حازم " فدخل داره وفتحها علي " أي قرأ الذي استفهمته عنه ولعل العذر لكل من أبي بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذاك ما يطعمانه
 
فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي: استدل أبو هريرة بتبسمه - صلى الله عليه وسلم - على أنه عرف ما به ; لأن التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوي الحمل على الثاني
 
 وما في وجهي: كأنه عرف من حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه
 
الحق: أي اتبع
 
أهل الصفة: هم من فقراء المسلمين فى المدينة ، و يعتبروا من أضياف الإسلام ، فليس لهم اهل و لا مال ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخصهم بما يأتيه من الصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية
فكان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره
 
أمرني: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فكنت أنا أعطيهم وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخدمه
ووقع في رواية يونس بن بكير فسيأمرني أن أديره عليهم فما عسى أن يصيبني منه وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني أي عن جوع ذلك اليوم
 
وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن: أي يصل إلي بعد أن يكتفوا منه
 
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد:  قال الكرماني : ظاهره أن الإتيان والدعوة وقع بعد الإعطاء وليس كذلك ثم أجاب بأن معنى قوله " فكنت أنا أعطيهم " عطف على جواب " فإذا جاءوا " فهو بمعنى الاستقبال
 
خذ فأعطهم: أي القدح الذي فيه اللبن
 
حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم: أي فأعطيته القدح
 
فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم: كأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شيء كما تقدم تقريره فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شيء
 
بقيت أنا وأنت: كأن ذلك بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان اللبن الذي في ذلك القدح نصيب النبي - صلى الله عليه وسلم -
 
فحمد الله وسمى: أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روي القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب
 
وشرب الفضلة: أي البقية
وفيه إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي في البيت إن كان
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم:
استحباب الشرب من قعود
وأن خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الإناء من كل واحد فيدفعه هو إلى الذي يليه ولا يدع الرجل يناول رفيقه لما في ذلك من نوع امتهان الضيف
وفيه معجزة عظيمة وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته - صلى الله عليه وسلم - .
وفيه جواز الشبع ولو بلغ أقصى غايته أخذا من قول أبي هريرة " لا أجد له مسلكا " وتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك خلافا لمن قال بتحريمه وإذا كان ذلك في اللبن مع رقته ونفوذه فكيف بما فوقه من الأغذية الكثيفة لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بما وقع في تلك الحال فلا يقاس عليه
وفيه أن كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها والتصريح بها .
وفيه كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيثاره على نفسه وأهله وخادمه .
وفيه ما كان بعض الصحابة عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضيق الحال وفضل أبي هريرة وتعففه عن التصريح بالسؤال واكتفاؤه بالإشارة إلى ذلك وتقديمه طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على حظ نفسه مع شدة احتياجه وفضل أهل الصفة .
وفيه أن المدعو إذا وصل إلى دار الداعي لا يدخل بغير استئذان وقد تقدم البحث فيه في كتاب الاستئذان مع الكلام على حديث رسول الرجل إذنه .
وفيه جلوس كل أحد في المكان اللائق به .
وفيه إشعار بملازمة أبي بكر وعمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -
ودعاء الكبير خادمه بالكنية
وفيه ترخيم الاسم على ما تقدم
والعمل بالفراسة
وجواب المنادى بلبيك
واستئذان الخادم على مخدومه إذا دخل منزله
وسؤال الرجل عما يجده في منزله مما لا عهد له به ليرتب على ذلك مقتضاه
وقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية وتناوله منها وإيثاره ببعضها الفقراء وامتناعه من تناول الصدقة ووضعه لها فيمن يستحقها
وشرب الساقي آخرا وشرب صاحب المنزل بعده
والحمد على النعم والتسمية عند الشرب
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

Monday, February 3, 2014

970 - ابو بكر الصديق و فترة ما قبل الهجرة

 
عن عائشة رضى الله عنها: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ، بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة ، حتى إذا برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي .
 قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، ارجع واعبد ربك ببلدك .
 فرجع وارتحل معه ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق .
 فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة ، وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا .
 فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر ، فلبث بذلك يعبد ربه في داره ، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، وكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك ، على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك ، فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان .
 قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له .
 فقال أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين :
 إني أريت دار هجرتكم ، ذات نخل بين لابتين: .
 وهما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر قبل المدينة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي: .
فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال  نعم: .
 فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ، وهو الخبط ، أربعة أشهر .
 قال ابن شهاب : قال عروة : قالت عائشة : فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا ، في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .
 قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :
 أخرج من عندك: .
 فقال أبو بكر : إنما هم أهلك ، بأبي أنت يا رسول الله ، قال :
 فإني قد أذن لي في الخروج: .
 فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 نعم: .
 قال أبو بكر : فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 بالثمن: .
 قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فربطت به على فم الجراب ، فبذلك سميت ذات النطاقين ، قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب ، ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل ، وهو لبن منحتهما ورضيفهما ، حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عدي ، هاديا خريتا ، والخريت الماهر بالهداية ، قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة ، والدليل ، فأخذ بهم طريق السواحل ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3905 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
 
لم أعقل أبوي: أي أبا بكر وأم رومان
 
إلا وهما يدينان الدين: بكسر الدال أي دين الإسلام
 
 فلما ابتلي المسلمون: بأذى الكفار من قريش بحصرهم بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة
 
 برك الغماد: بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف .
 والغماد بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف دال مهملة موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن
 
 ابن الدغنة: وهو اسم أمه ، واسمه الحرث بن يزيد كما عند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري وليس هو ربيعة بن رفيع ، ووهم الكرماني قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله
 
وهو سيد القارة: بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر
 
 أبو بكر أخرجني قومي: أي تسببوا في إخراجي قريش
 
فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي: ولم يذكر له وجه مقصده لأنه كان كافرا
 
فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج: بفتح أوله وضم ثالثه
 
 ولا يخرج: بضم ثم فتح من الإخراج
 
 تكسب المعدوم: بفتح تاء تكسب أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك
 
وتصل الرحم: أي القرابة
 
وتحمل الكل: بفتح الكاف وتشديد اللام الذي لا يستقل بأمره أو الثقل
 
وتقري الضيف: اى تستضيفه و تكرمه
 
وتعين على نوائب الحق: أي حوادثه
 
فأنا لك جار: أي مجير أمنع من يؤذيك
 
فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله: من وطنه باختياره على نية الإقامة مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده
 
ولا يخرج: بضم أوله وفتح ثالثه لا يخرجه أحد بغير اختياره لما ذكر
 
قالت عائشة : (وآمنوا أبا بكر ، وقالوا لـابن الدَّغِنَة : مُرْ أبا بكر فليعبُد ربه في داره، فليصلِّ وليقرأ ما شاء، ولا يؤذنا بذلك، ولا يستعلن به) أي: ليس عندنا مانع أن نبقي أبا بكر ؛ بشرط أن يخفي دينه في بيته ولا يظهره، ولا يتكلم بشيء من دينه جهراً (فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ذلك ابن الدَّغِنَة لـأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره فترة، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير ذلك، ثم بدا لـأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقَصَّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم؛ يعجبون منه، وينظرون إليه، وفي رواية: فيتقذَّف إليه) ومعنى ذلك: أنهم يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فينكسر، ومعنى يتقصفون: يجتمعون اجتماعاً عظيماً حتى إنهم يتساقطون من الزحام والرغبة في السماع، قالت عائشة : (وكان أبو بكر رجلاً بكَّاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين) وذلك لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب من أولادهم، وقد يميلون إلى دين الإسلام (فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنَة ، فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فائته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فَعَلَ، وإن أبى إلا أن يُعلن ذلك فسَلْه أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك ...).
 
أي: إذا رضي أن يعود إلى داخل الدار فله ذلك، وإذا رفض وأصر على الجهر بدينه فاطلب منه أن يرد الأمان الذي أعطيناه بسببك. (... فإنا كرهنا أن نخفرك ...) أي: نحن لا نريد أن نغدر وقد أعطيناه الأمان بسببك، لا نريد أن نغدر به ونخفر الذمة، فاطلب من أبي بكر أن يرد إليك الجوار إذا كان يريد أن يستمر على هذا الإعلان. ()... فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لـأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة : فأتى ابن الدَّغِنَة أبا بكر فقال: قد علمتَ الذي عقدتُ لك عليه -أي: الشرط بيني وبينك- فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إليَّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفرت في رجلٍ عقدتُ له ...) أي: لا أحب أن يكون صيتي بين العرب وسمعتي أنني أعطيت إنساناً جواراً ثم إن هذا الإنسان غُدِر به، وأن جواري لا قيمة له، فإنني أكره ذلك، فماذا كان جواب الصِّدِّيق رضي الله عنه؟
 
قال أبو بكر : (... إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بـمكة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أُرِيت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخلٍ بين لابَتين) أي: أرض مالحة لا تكاد تنبت، وبين لابتين: هما الحرتان، فهاجر مَن هاجر قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض مَن كان هاجر إلى أرض الحبشة ، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلك! فإني أرجو أن يؤذن لي، قال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السَّمُر أربعة أشهر)
 
 
فالحديث يتكلم عن الفترة لما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد ، فلقيه ابن الدغنة ، وهو سيد القارة ، فقال له : أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في أرض الله ، وأعبد ربي عز وجل ، قال له ابن الدغنة : يا أبا بكر إن مثلك لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق - رجل بهذه الصفات لا يخرج من بلده ، ولا ينبغي أن يخرج ، وأمة تلفظ أمثال هؤلاء الكبراء ، الفضلاء ، أهل التقوى ، والعلم ، والمجد ، والإيثار ، أمة قد تودع منها ، ولهذا أدرك هذا الجاهلي بحسه أن مثل ذلك غلط ، لا يجوز أن يكون ، فمثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج - ارجع واعبد ربك ببلدك ، وأنا لك جار ، أحميك ممن أراد بك سوءا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وارتحل معه ابن الدغنة ، فطاف في أشراف قريش وفي نواديهم يقول لهم : إن أبا بكر لا يخرج! أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق؟! أنا له جار ، فلم تكذب قريش بجواره ، وقالوا له : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره - فليصل في بيته - ويقرأ ما شاء من القرآن ، ولكن لا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به ، فإنا نخاف أن يفتن نساءنا وأبناءنا } .
لقد رجعت قريش خطوة واحدة إلى الوراء ، وقالوا : نقبل الآن مضطرين أن يسلم أبو بكر ، وأن يظل مقيما في قريش ، ولكننا لا نريده أن يدعو إلى دينه ، ولا أن يستعلن به ، والخوف ما هو؟ الفتنة ( نخشى أن يفتن نساءنا ، وأبناءنا ) فقال ذلك ابن الدغنة لـ أبي بكر رضى الله عنه { فلبث أبو بكر مستخفيا يعبد ربه عز وجل في داره ، ولا يستعلن بصلاته ، ولا يقرأ في غير بيته ، ثم بدا لـ أبي بكر فابتنى مسجدا في فناء الدار بالساحة المحيطة بمنزله ، وكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن ويجهر به ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه ، وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا بكاء لا يملك عينه إذا قرأ القرآن } كأنما كانت قريش تقرأ الذي سيقع ويحدث فعلا ، كان الناس ينقذفون إلى أبي بكر ، لأن لهذا القرآن سلطانا على القلوب ، ولأن لدعوة الحق سلطانا على النفوس ، والفطرة تستجيب لها ، وتتجاوب معها ، فحصل ما خافوا وخشوا ، ولذلك أفزعهم هذا : { فذهبوا إلى ابن الدغنة ، وقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد تجاوز ذلك ، وابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن الصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا على نسائنا وأبنائنا فانهه عن ذلك ، فإن أحب أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك ، فاسأله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لـ أبي بكر الاستعلان ، قالت عائشة رضي الله عنها : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر ، فقال : لقد علمت الذي عاقدت لك عليه - أنت تعرف يا أبا بكر ما هو العقد والعهد الذي بيني وبينك - فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فقال له : أبو بكر - رضى الله عنه - : إني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار ربي عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ كان مقيما بمكة ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام يوما لأصحابه : إني رأيت دار هجرتكم - وقد يكون رآها في المنام ، عليه الصلاة والسلام ، أو في غير ذلك - هي أرض ذات نخل بين لا بتين } أي : حرتين وهي الحجارة السود التي تحيط بالمدينة فهاجر من هاجر قبل المدينة ، ورجع عامة الصحابة الذين كانوا هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - للرحيل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { على رسلك - انتظر - فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال : نعم .
قال : فحبس أبو بكر نفسه على ذلك ، حتى يصحب النبي صلى الله عليه وسلم وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو الخبط - وهو علف معروف للمواشي ، أربعة أشهر وهو يعلفها
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

969 - صور من عذاب النار ، اعاذنا الله و اياكم منها

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحد منكم من رؤيا .
فيقص عليه من شاء الله أن يقص ،
وإنه قال ذات غداة : إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ،
وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ، فيتدهده الحجر ها هنا ، فيتبع الحجر فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى ،
قلت لهما : سبحان الله ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه - وربما قال أبو رجاء : فيشق - ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى ،
قلت : سبحان الله ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على مثل التنور - قال : وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ،
قلت لهما : ما هؤلاء ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة ، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا ،
قلت لهما : ما هذان ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على رجل كريه المرآة ، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة ، فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها ،
قلت لهما : ما هذا ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ،
فأتينا على روضة معتمة ، فيها من كل لون الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل ، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ،
قلت لهما : ما هذا ما هؤلاء ؟
قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا
فانتهينا إلى روضة عظيمة ، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن ،
قالا لي : ارق فيها ، فارتقينا فيها ،
فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها ، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ،
قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ،
قالا لي : هذه جنة عدن وهذاك منزلك ، فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء ،
قالا لي : هذاك منزلك ،
قلت لهما : بارك الله فيكما ذراني فأدخله ،
قالا : أما الآن فلا ، وأنت داخله ،
قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟
قالا لي : أما إنا سنخبرك ،
أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ،
وأما الرجل الذي أتيت عليه ، يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ،
وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني ،
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا ،
وأما الرجل الكريه المرآة ، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم ،
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة .
فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين ،
وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح ، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، تجاوز الله عنهم ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: سمرة بن جندب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7047 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
آتيان: في رواية هوذة عن عوف عند ابن أبي شيبة " اثنان أو آتيان " بالشك وفي رواية جرير " رأيت رجلين أتياني " ، وفي حديث علي " رأيت ملكين " وسيأتي في آخر الحديث أنهما " جبريل وميكائيل "
ابتعثاني: اى أرسلاني ، وقال ابن هبيرة : معنى ابتعثاني : أيقظاني ، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ووصفه بعد أن أفاق على أن منامه كاليقظة ، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما
 وإنا أتينا على رجل مضطجع: في رواية جرير " مستلق على قفاه "
وإذا آخر قائم عليه بصخرة: في رواية جرير " بفهر أو صخرة " ، وفي حديث علي " فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي "
يهوي:  يقال هوى بالفتح يهوي هويا سقط إلى أسفل
فيثلغ: أي يشدخه والشدخ كسر الشيء الأجوف
فيتدهده الحجر: اى تدحرج ، والمراد أنه دفعه من علو إلى أسفل ، وتدهده إذا انحط
فيشرشر شدقه إلى قفاه: أي يقطعه شقا ، والشدق جانب الفم
 ثم يتحول إلى الجانب الآخر إلخ: اختصره في رواية جرير بن حازم ولفظه : " ثم يخرجه ، فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به "
قال ابن العربي : شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية ، وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا . ووقعت هذه القصة مقدمة في رواية جرير على قصة الذي يشدخ رأسه .
قال الكرماني : الواو لا ترتب ، والاختلاف في كونه مستلقيا وفي الأخرى مضطجعا والآخر كان جالسا وفي الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما
التنور: اى كالفرن ، أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نارا
ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة ، و الضوضاة أصوات الناس ولغطه
سابح يسبح: أي يعوم
فيفغر: أي يفتحه
كريه المرآة: اى قبيح المنظر
 كأكره ما أنت راء رجلا مرآة:أي كأفبح ما قد ترى من الرجال
يحشها:
قال الجوهري : حششت النار أحشها حشا أوقدتها ،
وقال في التهذيب : حششت النار بالحطب ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار ،
وقال ابن العربي : حش ناره حركها
فأتينا على روضة معتمة:  يقال : أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة : طويلة ، وقال الداودي أعتمت الروضة : غطاها الخصب
قال ابن التين : ولا يظهر للتخفيف وجه ، قلت : الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى : مدهامتان وضبط ابن بطال روضة مغنمة بكسر الغين المعجمة وتشديد النون ، ثم نقل عن ابن دريد : واد أغن ومغن إذا كثر شجره ، وقال الخليل : روضة غناء كثيرة العشب ، وفي رواية جرير بن حازم " روضة خضراء وإذا فيها شجرة عظيمة "
وإذا بين ظهري الروضة: والمراد وسطها
مبنية بلبن ذهب ولبن فضة: اللبن بفتح ، اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين
شطر من خلقهم:  بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف أي هيئتهم
 يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله ، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح ، والثاني هو المراد ، ويؤيده قولهم في صفته " هؤلاء قوم خلطوا " أي عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه . بعمل سيئ
فقعوا في ذلك النهر: بصيغة فعل الأمر بالوقوع ، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص
نهر معترض: أي يجري عرضا
كأن ماءه المحض: بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا
 قال الطيبي كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل في كل صاف قال : ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما في الحديث " اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد "
ذهب ذلك السوء عنهم: أي صار القبيح كالشطر الحسن ، فذلك قال : وصاروا في أحسن صورة
قالا لي هذه جنة عدن: يعني المدينة
فسما: بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي نظر إلى فوق
الربابة:  وهي السحابة البيضاء ، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء ،
وقال الخطابي : الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض
ذراني فأدخله ، قالا : أما الآن فلا وأنت داخله: اى دعاني أدخل منزلي ، قالا : أنه بقي لك عمر لم تستكمله ، ولو استكملته أتيت منزلك
فيرفضه: قال ابن هبيرة : رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس
يغدو من بيته: أي يخرج منه مبكرا
فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق: قال ابن هبيرة : لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة
فهم الزناة: مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى
فإنه آكل الربا: قال ابن هبيرة إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر ، وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه محقه
خازن جهنم: إنما كان كريه الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم: وإنما اختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين ، قال تعالى : ملة أبيكم إبراهيم وقال تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية
وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة
وأولاد المشركين: ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله : هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا
في هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى .
وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ .
وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن ، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة ، وعن رفض القرآن لمن يحفظه ، وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب ، وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات ، حتى النبي والشهيد .
وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك .
وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل ، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم - عليه السلام - لاحتمال أن إقامته . هناك بسبب كفالته الولدان ، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء كما تقدم في الإسراء أنه رأى آدم في السماء الدنيا ، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر فيضحك ويبكي مع أن منزلته هو في عليين ، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته .
وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم ، اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا .
وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم .
وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب ، قال الكرماني : مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة ففيها خفاء ، وبيانه أن العري فضيحة كالزنا ، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ، ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار ، وقال أيضا : الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو  الفعل ، فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال ، والثاني إما بدني وإما مالي فذكر لكل منهم مثالا ينبه به على من عداه ، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم أربع درجات ؛ درجات النبي ، ودرجات الأمة
أعلاها الشهداء ،
وثانيها من بلغ ،
وثالثها من كان دون البلوغ
و الله تعالى اعلم
للمزيد

Sunday, February 2, 2014

968 - قال أبو هريرة رضى الله عنه: أصابني جهد شديد ، فلقيت عمر بن الخطاب ، فاستقرأته آية من كتاب الله ، فدخل داره وفتحها علي ، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي ، فقال : يا أبا هر فقلت: لبيك رسول الله وسعديك ، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي ، فانطلق بي إلى رحله ، فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ، ثم قال : عد فاشرب يا أبا هر ، فعدت فشربت ، ثم قال : عد ، فعدت فشربت ، حتى استوى بطني فصار كالقدح ، قال : فلقيت عمر ، وذكرت له الذي كان من أمري ، وقلت له : فولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر ، والله لقد استقرأتك الآية ، ولأنا أقرأ لها منك . قال عمر : والله لأن أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل حمر النعم ، صحيح البخاري

 
قال أبو هريرة رضى الله عنه: أصابني جهد شديد ، فلقيت عمر بن الخطاب ، فاستقرأته آية من كتاب الله ، فدخل داره وفتحها علي ، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي ، فقال : يا أبا هر
 فقلت: لبيك رسول الله وسعديك ، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي ، فانطلق بي إلى رحله ، فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ، ثم قال :
 عد فاشرب يا أبا هر ،  فعدت فشربت ، ثم قال :  عد ، فعدت فشربت ، حتى استوى بطني فصار كالقدح ، قال : فلقيت عمر ، وذكرت له الذي كان من أمري ، وقلت له : فولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر ، والله لقد استقرأتك الآية ، ولأنا أقرأ لها منك .
 قال عمر : والله لأن أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل حمر النعم ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5375 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
أصابني جهد شديد: أي من الجوع ، والجهد تقدم أنه بالضم وبالفتح بمعنى والمراد به المشقة ، وهو في كل شيء بحسبه
 
فاستقرأته آية: أي سألته أن يقرأ علي آية من القرآن معينة على طريق الاستفادة
 
فدخل داره وفتحها علي: أي قرأها علي وأفهمني إياها
 
فخررت لوجهي من الجهد: أي الذي أشار إليه أولا وهو شدة الجوع ، ووقع في الرواية التي في " الحلية " أنه كان يومئذ صائما وأنه لم يجد ما يفطر عليه
 
فأمر لي بِعُسٍّ: بضم العين المهملة بعدها مهملة هو القدح الكبير
 
حتى استوى بطني: أي استقام من امتلائه من اللبن
 
كَالْقِدْحِ: بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة هو السهم الذي لا ريش له
 
ولأنا أقرأ لها منك: فيه إشعار بأن عمر لما قرأها عليه توقف فيها أو في شيء منها حتى ساغ لأبي هريرة ما قال ، ولذلك أقره عمر على قوله
 
أدخلتك: أي الدار وأطعمتك
 
حمر النعم: أي الإبل ، وللحمر منها فضل ، على غيرها من أنواعها
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد

967 - جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة ، من أجل فلان مما يطيل بنا فيها ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ ، ثم قال : أيها الناس ، إن منكم منفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز ، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة ، صحيح البخاري

 
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة ، من أجل فلان مما يطيل بنا فيها ،
فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ ،
ثم قال : أيها الناس ، إن منكم منفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز ، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو مسعود عقبة بن عمرو المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7159 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
صلاة الغداة: صلاة الصبح
 
منفرين: من التنفير و الأبعاد
 
و الحكم في الحديث مذكور مع علته ، وهو المشقة اللاحقة للمأمومين إذا طول . وفيه - بعد ذلك - بحثان أحدهما : أنه لما ذكرت العلة وجب أن يتبعها الحكم ، فحيث يشق على المأمومين التطويل ، ويريدون التخفيف : يؤمر بالتخفيف .
وحيث لا يشق ، أو لا يريدون التخفيف : لا يكره التطويل . وعن هذا قال الفقهاء : إنه إذا علم من المأمومين : أنهم يؤثرون التطويل طول ،
كما إذا اجتمع قوم لقيام الليل . فإن ذلك - وإن شق عليهم - فقد آثروه ودخلوا عليه .
 
الثاني : التطويل والتخفيف : من الأمور الإضافية . فقد يكون الشيء طويلا بالنسبة إلى عادة قوم . وقد يكون خفيفا بالنسبة إلى عادة آخرين . وقد قال بعض الفقهاء : إنه لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود . والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك ، مع أمره بالتخفيف . فكأن ذلك ; لأن عادة الصحابة لأجل شدة رغبتهم في الخير يقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا . هذا إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عاما في صلواته أو أكثرها . وإن كان خاصا ببعضها ، فيحتمل أن يكون ; لأن أولئك المأمومين يؤثرون التطويل وهو متردد بين أن لا يكون تطويلا بسبب ما يقتضيه حال الصحابة ، وبين أن يكون تطويلا لكنه بسبب إيثار المأمومين . وظاهر الحديث المروي : لا يقتضي الخصوص ببعض صلواته صلى الله عليه وسلم . وحديث أبي مسعود : يدل على الغضب في الموعظة . وذلك يكون : إما لمخالفة الموعوظ لما علمه ، أو التقصير في تعلمه .
 
والله تعالى أعلم
 
للمزيد
 
 
 

966 - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح : لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ، ثم يخير . فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق ، فأشخص بصره إلى السقف ، ثم قال : اللهم الرفيق الأعلى . قلت إذا لا يختارنا ، وعلمت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح ، قالت : فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها : اللهم الرفيق الأعلى ، صحيح البخاري

 
عن عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح : لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ، ثم يخير .
فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق ، فأشخص بصره إلى السقف ، ثم قال : اللهم الرفيق الأعلى .
قلت إذا لا يختارنا ، وعلمت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح ، قالت : فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها : اللهم الرفيق الأعلى ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6348 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
يقبض نبي: تقبض روح نبى
 
فأشخص بصره: فرفع بصره
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 

965 - أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء ، يكفرن . قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خير قط ، صحيح البخاري

 
 أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء ، يكفرن .
قيل : أيكفرن بالله ؟
قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ،
لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خير قط ، صحيح البخاري
 
------------------------------------------------
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 29 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
العشير: المراد به الزوج
 
لو أحسنت إلى إحداهن الدهر: فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة ، والإصرار على المعصية من أسباب العذاب
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 

Saturday, February 1, 2014

964 - ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه ، صحيح البخاري

 
ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5409 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط‏: أي طعاما مباحا , أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه .
 وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره , وإن كان من جهة الصنعة لم يكره , لأن صنعة الله لا تعاب وصنعة الآدميين تعاب .
 ‏‏قال الحافظ : والذي يظهر التعميم , فإن فيه كسر قلب الصانع .
 قال النووي : من آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب , كقوله مالح , حامض , قليل الملح , غليظ , رقيق , غير ناضج , ونحو ذلك ‏
 وإن كرهه تركه‏: قال ابن بطال : هذا من حسن الأدب , لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 
 
 

963 - ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله ، فينتقم لله ، صحيح البخاري

 
ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ،
والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله ، فينتقم لله ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6786 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
ما انتقم لنفسه: أي خاصة , فلا يرد أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله , وقيل أرادت أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر , كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه , وعن الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه , وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال , قال : وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه , قال : واقتص ممن لده في مرضه بعد نهيه عن ذلك بأن أمر بلدهم مع أنهم كانوا في ذلك تأولوا أنه إنما نهاهم عن عادة البشرية من كراهة النفس للدواء
 
فمسألة اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم عند اختلافهم، فهذا لا يصح؛ فإن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بالهوى ولا بالتشهي
وعلى المسلم إن كان له قدرة على النظر في الأدلة أن يأخذ من أقوالهم ما كان أظهر وأرجح دليلا، ولا يتتبع الرخص ولا يرجح بالتشهي. وإن كان عاميا -أي غير متخصص في علوم الشريعة، ولا له نظر في الأدلة- فعليه أن يستفتي أهل العلم والورع من غير ترخص، ثم ينبغي التنبه إلى أن الأخذ بالأحوط عند اختلاف العلماء أولى
 
ولا بد أن يُفهم أول كلامها رضي الله عنها في ضوء آخره والعكس، ولا يصح بتر الكلام وفصل ما تلاحم من جمله، ففي قولها: "ما لم يكن إثما ..." بيان أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للأيسر مشروط ببعده عن الإثم.
 
قال ابن حجر: أي ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم، فإنه حينئذ يختار الأشد. انتهى.
 
وهذا يشمل المكروه أيضا، لأنه قريب من الإثم، ولذلك قال النووي: فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها. اهـ.
 
ومعنى ذلك أن هذا الاختيار المذكور في أثر عائشة إنما يقع غالبا في أمور الدنيا من المعاش والمعاملات ونحو ذلك مما يخرج عن دائرة العبادة
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد حول شرح الحديث:
 
 
 
 
 
 
 
 

962 - لا تزال جهنم تقول : هل من مزيد ، حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فتقول : قط قط وعزتك ، ويزوى بعضها إلى بعض ، صحيح البخاري

 
لا تزال جهنم تقول : هل من مزيد ، حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فتقول : قط قط وعزتك ، ويزوى بعضها إلى بعض ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6661 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
قط قط: حسبى حسبى ، او كفى كفى ، و المراد انها اكتفت
 
يزوى بعضها إلى بعض: اى تضيق على من فيها
 
فإذا قالت حسبي حسبي كانت قد اكتفت بما ألقي فيها ولم تقل بعد ذلك هل من مزيد بل تمتلئ بما فيها لانزواء بعضها إلى بعض ; فإن الله يضيقها على من فيها لسعتها فإنه قد وعدها ليملأنها من الجنة والناس أجمعين وهي واسعة فلا تمتلئ حتى يضيقها على من فيها
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 

961 - تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم . قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها ، فأما النار : فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا ، وأما الجنة : فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا ، صحيح البخاري

تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ،
وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم .
قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ،
وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها ،
فأما النار : فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا ،
وأما الجنة : فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4850 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
تحاجت: تخاصمت
المتكبرين والمتجبرين: ‏قيل هما بمعنى , وقيل المتكبر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه وقيل الذي لا يكترث بأمر
ضعفاء الناس وسقطهم: أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم , هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس , وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات , لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده , فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح
فيضع قدمه عليها: هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات , وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين : ‏
‏أحدهما : وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين : أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله , ولها معنى يليق بها , وظاهرها غير مراد . ‏
‏والثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها , فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث , فقيل : المراد بالقدم هنا المتقدم , وهو شائع في اللغة ومعناه : حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب , قال المازري والقاضي : هذا تأويل النضر بن شميل , ونحوه عن ابن الأعرابي .
 الثاني : أن المراد قدم بعض المخلوقين , فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم .
 الثالث : أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية , وأما الرواية التي فيها
 يضع الله فيها رجله: فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل , ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم , ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس , كما يقال : رجل من جراد , أي : قطعة منه , قال القاضي : أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها , وخلقوا لها , قالوا : ولا بد من صرفه عن ظاهره ; لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى
ولا يظلم الله من خلقه أحدا: ‏‏قد سبق مرات بيان أن الظلم مستحيل في حق الله تعالى , فمن عذبه بذنب أو بلا ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى
 وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا: ‏‏هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال , فإن هؤلاء يخلقون حينئذ , ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل , ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط , فكلهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله .
 ‏
‏وفي هذا الحديث : دليل على عظم سعة الجنة , فقد جاء في الصحيح : أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها , ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى
و الله تعالى اعلم
للمزيد

960 - ما أكل أحد طعاما قط ، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ، صحيح البخاري

 
ما أكل أحد طعاما قط ، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: المقدام بن معد يكرب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:2072 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
والمراد بالخيرية ما يستلزم العمل باليد من الغنى عن الناس
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 

 

959 - أن مولاتها - اى مولاة أم داود - أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها فوجدتها تصلي فأشارت إلي أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها ، صححه الألبانى فى صحيح أبى داود

 
أن مولاتها - اى مولاة أم داود - أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها فوجدتها تصلي فأشارت إلي أن ضعيها
فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة
فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم
وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها ، صححه الألبانى فى صحيح أبى داود
------------------------------------------------
الراوي: أم داود بن صالح بن دينار المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 76 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
بهريسة: في القاموس : الهرس الأكل الشديد ، والدق العنيف ، ومنه الهريس والهريسة
 
قال ابن فارس : الهرس : دق الشيء ولذلك سميت الهريسة . وفي النوادر : الهريس : الحب المدقوق بالمهراس قبل أن يطبخ ، فإذا طبخ فهو الهريسة بالهاء ، والمهراس بكسر الميم : هو الحجر الذي يهرس به الشيء ، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب ، فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر . كذا في المصباح ، وفي بعض كتب اللغة : هريس كأمير طعام يتخذ من الحبوب واللحم وأطيبه ما يتخذ من الحنطة ولحم الديك
 فأشارت إلي أن ضعيها: اى اشارت عائشة  باليد أو بالرأس الى راوية الحديث بوضع الطعام ، وفيه أن مثل هذه الإشارة جائزة في الصلاة اهـ ; لأنها ليست بعمل كثير
أكلت من حيث أكلت الهرة : أي من محل أكلها
معنى الطوافين علينا: الذين يداخلوننا ويخالطوننا
من الطوافين : الطائف الذي يخدمك برفق شبهها بالمماليك وخدمة البيت الذين يطوفون للخدمة .
قال الله تعالى : طوافون عليكم بعضكم على بعض وألحقها بهم ; لأنها خادمة أيضا حيث تقتل المؤذيات ، أو لأن الأجر في مواساتها كما في مواساتهم ، وهذا يدل على أن سؤرها طاهر ، وبه قال الشافعي . وعن أبي حنيفة أنه مكروه ، كذا ذكره ابن الملك .
وقال الطيبي : قوله : " إنها من الطوافين " من ترتيب الحكم على الوصف المناسب إشعارا بالعلية ، فعلى هذا ينبغي أن يكون سؤر الهرة على تقدير نجاسة فمها معفوا عنه للضرورة ، كطين الشارع
وعن أبي يوسف : أن سؤر الهرة غير مكروه ، وإن أكلت الهرة الفأرة ثم شربت الماء على الفور يتنجس ، وإن مكثت ساعة ولحست فمها فمكروه . وليس بنجس عندهما ، خلافا لمحمد ; بناء على أن التطهير بغير الماء ، كذا في شرح المنية . ( " عليكم " ) : فيتمسحون بأيديكم وثيابكم ، فلو كانت نجسة لأمرتكم بالمجانبة عنها
 
و الحديث يدرج استدل به العلماء على طهارة سؤر الهرة
السُّؤر في اللغة بمعنى: البقية والفضله، فسؤر كل شيء بقيته .
ويطلق عند الفقهاء على بقية الماء أو الشراب الذي خالطه لعاب من شرب منه
 
للمزيد
 
 
 

958 - أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي فقلت نعم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ، صححه الألبانى فى صحيح ابى داود

 
أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي فقلت نعم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ، صححه الألبانى فى صحيح ابى داود
------------------------------------------------
الراوي: كبشة بنت كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 75 خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
فسكبت له وضوءا: اى سكبت له ماء ليتوضأ منه
فأصغى لها الإناء: أي : أماله إليها
معنى الطوافين علينا: الذين يداخلوننا ويخالطوننا
من الطوافين : الطائف الذي يخدمك برفق شبهها بالمماليك وخدمة البيت الذين يطوفون للخدمة .
قال الله تعالى : طوافون عليكم بعضكم على بعض وألحقها بهم ; لأنها خادمة أيضا حيث تقتل المؤذيات ، أو لأن الأجر في مواساتها كما في مواساتهم ، وهذا يدل على أن سؤرها طاهر ، وبه قال الشافعي . وعن أبي حنيفة أنه مكروه ، كذا ذكره ابن الملك .
وقال الطيبي : قوله : " إنها من الطوافين " من ترتيب الحكم على الوصف المناسب إشعارا بالعلية ، فعلى هذا ينبغي أن يكون سؤر الهرة على تقدير نجاسة فمها معفوا عنه للضرورة ، كطين الشارع
وعن أبي يوسف : أن سؤر الهرة غير مكروه ، وإن أكلت الهرة الفأرة ثم شربت الماء على الفور يتنجس ، وإن مكثت ساعة ولحست فمها فمكروه . وليس بنجس عندهما ، خلافا لمحمد ; بناء على أن التطهير بغير الماء ، كذا في شرح المنية . ( " عليكم " ) : فيتمسحون بأيديكم وثيابكم ، فلو كانت نجسة لأمرتكم بالمجانبة عنها
 
و الحديث يدرج استدل به العلماء على طهارة سؤر الهرة
السُّؤر في اللغة بمعنى: البقية والفضله، فسؤر كل شيء بقيته .
ويطلق عند الفقهاء على بقية الماء أو الشراب الذي خالطه لعاب من شرب منه
 
للمزيد
 
 
 

957 - لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ، صحيح البخاري

 
لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ،
وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ،
وإذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: عبدالرحمن بن سمرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6722 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
في هذا الحديث توجيهٌ نبويٌ عظيم لهؤلاء الذين تهوى أفئدتهم الإمارة، وتتوق أنفسهم إلى الصدارة، غافلين عن حقيقة أمرها، ناسين أنَّها في الدنيا أمانة، وأما يوم القيامة فغالبًا ما تكون خزيًا وندامة، ولذلك نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عبدالرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - أن يسألَ الإمارة أو يسعى إليها.
 
فالإمارةُ وغيرُها من الولايات على الخلق ينبغي أن يُسعى بها إلى أهلها ومستحقيها، ولا ينبغي للناس أن يتصارعوا عليها؛ بل على العبد أن يسأل الله العافية والسلامة، فإنه لا يدري هل تكون الولاية خيرًا له أو شرًّا؟ وهل يستطيع القيام بحقِّها أو لا؟
 
وسؤال الإمارة يُنبئ عن محذورَيْن:
الأول: حرصُ السائل على الدُّنيا والرئاسة، وهذا الحرصُ غالبًا ما يحمله على تعدِّي حُدُود الله، والعلو على عباده - سبحانه وتعالى.
الثاني: اتِّكال السائل على نفسه واعتماده عليها، وهذا غاية الخذلان ونهاية الحرمان، وقد كان مِن أكثر دعاء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم رحمتَك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين))؛ رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
 
وأما من لَم يحرص على الإمارة ولم يتشوف لها، بل أتته من غير مسألة، فخاف أن يُقصِّرَ في القيامِ بأعبائها، فإن الله يُعينه عليها ويوفقه فيها؛ لأنَّه في هذه الحالة يقوى توكُّلُه على الله تعالى، ومتى أخذ العبدُ بالأسباب متوَكِّلاً على الله أفلح ونجح.
 
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 

956 - عن أبو رزين: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره . قلت : يا رسول الله أويضحك الرب ؟ قال : نعم . قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا ، حسنه الألبانى فى صحيح ابن ماجه

 
عن أبو رزين: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره .
قلت : يا رسول الله أويضحك الرب ؟ قال : نعم .
قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا ، حسنه الألبانى فى صحيح ابن ماجه
 
------------------------------------------------
الراوي: أبو رزين لقيط بن عامر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1/78 خلاصة حكم المحدث: حسن
------------------------------------------------
الشرح:
إن قلب المؤمن ليستبشر ويفرح حين يعلم هذه الصفة ، وحين يؤمن بها فيشعر أن رحمة الله قريب ويشعرُ بصفات الجمالِ لله عز وجل
فنجد أن الشدة حينما تقع على العبد ويشتد الألم ويشتد البلاء ، حتى يظن العبد أن الأمر قد أنقطع وأنه لا سبيل الى الشفاء والفرج
فيضحك الله عز وجل من قنوط عباده مع قرب الفرج، فالله عزوجل يضحك لمثل ذلك
فأعلم أنه ّإذا اشتد بنا الفقر ، أو اشتد بنا المصاب، وحقد الحاقدين وعداوة الكاره الباغض تذكر ، لعل ربي يضحك الأن من شدة ما ضَّر بنا ، وفرجه قريب
قال تعالى : " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا "
و قد قال ان مع العسر يسرا و ليس بعد العسر يسرا تأكيدًا على أن العسر لابدَّ أن يجاوره يسر , فالعسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه و كل المآسي و ان تناهت فموصول بها فرج قريـــب .
ففي بطن العسر هناك يسر كثير وهذا وعد الله وسنته في عباده, وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أن الفرج مع الكرب " وكلما اشتدت الأزمة كلما كان ذلك إيذانًا بانقضاءها وزوالها, وأشد أوقات الليل حلكة هو ما يسبق طلوع الفجر , وما بعد الضيق إلا الفرج
 
للمزيد
 
 

955 - عليكم بالأبكار ، فإنهن أنتق أرحاما ، و أعذب أفواها ، و أقل خبا ، و أرضى باليسير ، صححه الألبانى فى صحيح الجامع

 
عليكم بالأبكار ، فإنهن أنتق أرحاما ، و أعذب أفواها ، و أقل خبا ، و أرضى باليسير ، صححه الألبانى فى صحيح الجامع
------------------------------------------------
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4054 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
الأبكار: جمع بكر و هى من لم يسبق لها الزواج
 
أنتق أرحاما: كونها ولوداً ، حيث لم يسبق لها الحمل والولادة
 
أعذب أفواها: عذوبة ريقها ، وطيب فمها ، بما يحقق لزوجها متعة عظيمة حين معاشرتها ، كما أن عذوبة الأفواه تفيد حسن كلامها ، وقلة بذائها وفحشها مع زوجها ، وذلك لكثرة حيائها ؛ لأنها لم تخالط زوجا قبله ، بالأضافة الى كثرة ملاطفتها لزوجها ، وملاعبتها له ، ومرحها معه
 
أقل خبا:  أي مكراً وخداعاً ، لما جبلت عليه من براءة القصد ، وسذاجة الفكر . فهي - في الغالب - غفل لا تزال على فطرتها ، لا تعرف حيلة ، ولا تحسن مكرا
 
أرضى باليسير: اى انها ترضى بالقليل من الجماع والمال والمؤنة ونحو ذلك ؛ لكونها - بسبب حداثة سنها - أقل طمعاً ، وأسرع قناعة ؛ فلا ترهق زوجها ما لا يطيق لكثرة مطالبها
 
ومع كل ، فإنه يجوز للرجل اختيار الثيب إذا توفر لديه من الأسباب ما يدعوه إلى ذلك ، قال صاحب عون المعبود في التعليق على حديث جابر : " وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار ، إلا المقتضي لنكاح
الثيب ، كما وقع لجابر ، مات أبوه وترك له تسع أخوات يتيمات ، يحتجن منه إلى رعاية وعطف وخدمة ، فكان من الموائم له أن يتزوج ثيبا ، تقوم على أمرهن ، وتعنى بشأنهن "
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 

 

954 - مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل ، وهو يعاتب أخاه في الحياء ، يقول : إنك لتستحيي ، حتى كأنه يقول : قد أضر بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه ، فإن الحياء من الإيمان ، صحيح البخاري

 
مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل ، وهو يعاتب أخاه في الحياء ، يقول : إنك لتستحيي ، حتى كأنه يقول : قد أضر بك ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه ، فإن الحياء من الإيمان ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6118 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه ، فعاتبه أخوه على ذلك ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " دعه " أي : اتركه على هذا الخلق السني ، ثم زاده في ذلك ترغيبا لحكمه بأنه من الإيمان  
وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق ، لا سيما إذا كان المتروك له مستحقا .
وقال ابن قتيبة : معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان ، فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه . وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز ، والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان ، فلهذا وقع التأكيد ، وقد يكون التأكيد من جهة أن القضية في نفسها مما يهتم به وإن لم يكن هناك منكر .
قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبيح ، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة . وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحي فاسقا ، وقلما يكون الشجاع مستحيا ، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان
-----------------------------
فتح الباري شرح صحيح البخاري
 
للمزيد

953 - لا تسبوا الدهر . فإن الله هو الدهر ، صحيح مسلم

 
لا تسبوا الدهر . فإن الله هو الدهر ، صحيح مسلم
------------------------------------------------
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2246 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
قال البغوي رحمه الله تعالى في بيان معناه: "إن العرب كان من شأنها ذمّ الدّهر وسبّه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، فإذا أضافوا إلى الدّهر ما نالهم من الشّدائد سبّوا فاعلها، فكان مرجع سبّها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سبّ الدّهر"
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد
 
 
 
 
 
 

952 - قال الناس : يا رسول الله غلا السعر فسعّر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعّر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال ، صححه الألبانى فى صحيح أبي داود

 
قال الناس : يا رسول الله غلا السعر فسعّر لنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعّر القابض الباسط الرازق ،
وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال ، صححه الألبانى فى صحيح أبي داود
------------------------------------------------
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني  - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3451 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ: أي إنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها فلا اعتراض لأحد . ولذلك لا يجوز التسعير
 
الْقَابِضُ الْبَاسِطُ: ‏أي مضيق الرزق وغيره على من شاء كيف شاء وموسعه ‏
 
وقد استدل بالحديث وما ورد في معناها على تحريم التسعير وأنه مظلمة ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم .
 والتسعير حجر عليهم .
 والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض } وإلى هذا ذهب جمهور العلماء .
 وروي عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير .
 وأحاديث الباب ترد عليه وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء ولا حالة الرخص , ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور .
 وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء .
 وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات , وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة
 
و الله تعالى اعلم
 
للمزيد حول شرح الحديث و حكم التسعير